وفي صحيح مسلم :
1- وَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىَ جَاءَ يَهُودَ. فَقَالَ: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَىَ مَنْ زَنَىَ؟" قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا. قَالَ: "فَأْتُوا بالتَّوْرَاةِ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ" فَجَاؤُوا بِهَا، فَقَرَأُوهَا، حَتَّىَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ، وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَىَ آيَةِ الرَّجْمِ .
2- حَدَّثَنَا يَحيَىَ بْنُ يَحْيَىَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:
مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمَاً مَجْلُوداً، فَدَعَاهُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَىَ مُوسَىَ، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟" قَالَ: لاَ، وَلَوْلاَ أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا.
3- حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن أبي معاوية. قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن البراء بن عازب. قال:
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا. فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا ( هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم. فقال ( أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا. فكنا، إذا أخذنا الشريف تركناه. وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه ). فأمر به فرجم.
فأنزل الله عز وجل: { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر* إلى قوله: إن أوتيتم هذا فخذوه } [5 /المائدة /41] يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم. فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا.
فأنزل الله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [5 /المائدة /44]. { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [5 /المائدة /45]. { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } [5 /المائدة /47]. في الكفار كلها.
وفي مسند الإمام أحمد :
1- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: - مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقالوا نعم قال فدعا رجل من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقال لا والله ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه قال فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال في اليهود إلى قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال هي في الكفار كلها.
وفي نصب الرواية :
1- حديث آخر رواه الطبراني في "معجمه" حدثنا بكر بن سهل ثنا عبد اللّه بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: { إن أوتيتم هذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا } قال: هم اليهود زنت منهم امرأة، وقد كان اللّه تعالى حكم في التوراة في الزنا الرجم، فنفسوا أن يرجموها، وقالوا: انطلقوا إلى محمد، فعسى أن يكون عنده رخصة، فاقبلوها، فأتوه، فقالوا: يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت، فما تقول فيها؟ فقال عليه السلام: كيف حكم اللّه في التوراة في الزاني؟ فقالوا: دعنا من التوراة، فما عندك في ذلك؟ فقال: ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم، فأتوه، فقال لهم: بالذي نجاكم من آل فرعون، وبالذي فلق البحر فأنجاكم، وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حكم اللّه في التوراة في الزاني؟ فقالوا: حكم اللّه الرحم.
وفي صحيح البخاري :
1- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ
قال ابن حجر :
وفي رواية أيوب فجاءوا وزاد عبيد الله بن عمر " بها فقرؤها " وفي رواية زيد بن أسلم " فأتى بها فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك "
كل الروايات التي وردت لم ترد بها لفظة ( آمنت بك وبمن أنزلك ) الا في رواية أبي داوود عن زيد بن أسلم وزيد ابن اسلم من طبقة التابعين فيكون سند زيادة زيد ابن اسلم منقطعا . ولكن المعنى لا غبار عليه لما سنسوقه لاحقاً
ونلخص ما سبق أن الحديث ورد بعدة صيغ في مواطن مختلفة :
1- حديث البراء بن عازب ( رواه أبو داوود ومسلم وابن ماجة وفي مسند أحمد )
2- حديث أبو هريرة ( رواه أبو داوود )
3- حديث ابن عمر ( رواه أبو داوود ومسلم )
4- حديث جابر بن عبد الله ( رواه أبو داوود )
ولهذا فقول القائل من ضلال النصارى كيف يقل محمد صلى الله عليه وسلم ( آمنت بك وبمن أنزلك ) أليس هذا إقرار منه بالتوراة , وهنا عدة مسائل تغيب عن فكر ضلال النصارى لما غشي أعينهم من الكفر :
الأولى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن رب العباد , وهو قد حدد وبين لنا أوامر الشريعة ونواهيها , وما بلغه من رب العزة بلغنا به , ولهذا فنحن مأمورون باتباع ما يشرعه لنا 0( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وهو المبلغ ( يا أيها النبي بلغ ما أنزل اليك ) ومما أنزل اليه صلى الله عليه وسلم ومما بلغنا به - الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) ولقوله ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) فأحد عناصر ودعائم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بالكتب السابقة إجمالاً أنها من عند الله نزلت على أنبيائه المبلغين عنه وأنهم خير بشر بلغوا أمانة الله .
الثانية : ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المبلغ عن ربه – من شرع من هم قبلنا كاليهود والنصارى يعد من الصحيح من شرعهم ومما لم تناله يدهم بالتحريف والتبديل , سواء تحريف لفظ وخط , أو تحريف معنى وتأويل , والتحريف أنواع , وهذا مما لا يفهمه عوام الضالين من النصارى , وليس هذا موضعه , ولقد وصفهم رب العزة بأنهم ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) .
أما إيماننا بكتبهم إجمالاً فلا يعد من قبيل الإقرار بكل ما أتى بها , بل هو إيمان تسليم بأنها نزلت من عند الله على رسل الله وأما تفاصيل كتبهم ففيه مسائل :
الأولى : ما ورد لديهم يدل على وحدانية الله وإفراده بالعبادة , حتى لو لم يصلنا ما يؤيده من قول أو اقرار من نبي الله صلى الله عليه وسلم فهذا نؤمن به بصريح لفظه ولا نسلم لهم بتأويله أو صرف اللفظ عن صريح معناه كما يذهبون في تفسيراتهم .
الثانية : ما ورد تأييد وإقرار له من نبي الله صلى الله عليه وسلم كمسألتنا هذه – مسألة رجم الزاني , وهي مما بين صلى الله عليه وسلم أنهم أخفوها عن أتباعهم وأبدلوا الحكم بحكم آخر وهو نوع من التحريف (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ) والقاعدة الشرعية نوافقهم فيما وافق شرعنا لقول الله ( ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) .
تصديق : لما معهم من الحق وافق شرعنا وأقره صلى الله عليه وسلم فكتابهم كما ذكرنا بموضع آخر به من الحق جزء ومن الباطل أجزاء .
تفصيل : لما أجمل بكتابهم ولم تتضح أحكامه يبينها شرعنا ويقرها صلى الله عليه وسلم .
الثالثة : نرفض ما فيه شرك بالله كإشراك أحد معه سبحانه في العبادة سواء كان شرك الربوبية أو الألوهية .
مما سبق يتبين لنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آمنت بك وبمن أنزلك ) هو إيمان إجمال لا تفصيل , إيمان أنها من عند الله نزلت على نبي من أنبياء الله , وهذا ما لا ينكره عاقل أن التوراة كتاب من كتب الله , ومن ينكر هذا سواء من ملة الإسلام أو أي ملة أخرى فهو كافر بلا ريب .
لا يجوز في حق النبي تأخير البيان عن وقت الحاجة ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) فهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالتبليغ في الحال , ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن حكم الزاني من اليهود رغبة منهم في عدم تحمل مسئولية الحكم في الحادثة – كان هذا وقت التبليغ فلا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ , فبين لهم صلى الله عليه وسلم الحكم وهذه الحادثة أدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن رسول الله ومبلغا عنه لكان أولى به أن يخالفهم بالحكم وهذا ما لا يجوز بحقه صلى الله عليه وسلم .
وتبليغه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة هو نوع من إقامة الحجة عليهم ونوع من الهداية فهو المبلغ والهدى من الله والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن كما ورد بالاثر .
وهنا مسألة أخرى يثيرها ضلال النصارى متعلقة بهذه المسألة , فيستدلون بالآية ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) كاقرار من رب العزة بالتوراة وبأحكام التوراة وان محمدا صلى الله عليه وسلم بعث للعرب فقط أو ان التوراة هي مصدر أحكام النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا استدلال فاسد , فمعرفة التفسير تستلزم معرفة أسباب النزول , وهذا ما لا يفهمه ضلال النصارى , وسبب نزول الايات هو القصة السابقة فليعلم هذا .
وصلى الله على نبينا محمد رغم أنف الكافرين
كتبه الأخ / برسوم