الأخت الأسترالية مريم نويل من البهائيَّة إلى الإسلام
السلام عليكم
ولدتُ في عائلةٍ بهائيَّةٍ من أبوين ذوي جذورٍ أنجلوسلتيَّة كانا قد اعتنقا الديانة البهائيَّة في الستينات، وقضيت طفولتي في التعلُّم عن الأديان العالمية المختلفة من خلال نظَّاراتٍ بهائيَّةٍ ملوَّنة. وأدين بالامتنان لوالديَّ اللذين أنشآني على أنَّ الظلم خطيئة، وأنَّ الإنسان يجب أن يعيش حياةً أخلاقيَّةً وعفيفة، وأن يمتنع عن الغيبة، وشرب الخمر، وعن الخطايا الأخرى. ومنذ نعومة أظفاري أصبحت منبهرةً بالدِّين. وبصرف النظر عن فترةٍ قصيرةٍ من التمرُّد في سنيِّ مراهقتي المبكِّرة، أصبحت متديِّنةً جداًّ (مع أنَّ ذلك كان من غير مغالاة) ، وجعلت هدف حياتي أن أصبح أفضل بهائيَّةً ما استطعت. وفي مرحلةٍ مبكِّرةٍ من صباي، عُيِّنْت كمساعدة ٍللتبليغ في الجمعيَّة المحليَّة، وانتخبت في الهيئة الروحيَّة المحليَّة. وبما يخص مهنتي، قرَّرت بأنِّي سأخدم الديانة البهائيَّة بطريقةٍ ما، وفكَّرت بأن أصبح مترجمةً لكتاب البهائيَّة المقدس.
لكن حدث أمرٌ غريبٌ "في طريقي إلى دمشق" كما يقولون. ففي إحدى الليالي، وعندما كنت مسافرةً إلى كوينسلاند الشماليَّة البعيدة، عاملةً في ما يُسمَّى "سنة الخدمة الشبابيَّة للبهائيَّة" (وهو الوقت الذي يقوم فيه الشباب متطوعين بإعطاء سنة لخدمة الدِّيانة البهائيَّة)، بدأت بترديد صلاتي الليليَّة. كان ذلك المساء شديد الحرارة، وأذكر طنين المروحة، وأزيز الباعوض والذباب الذي كان مشدوداً لضوء مصباح سريري. حينها تملَّكني شيءٌ ما، وصلَّيت صلاةً من أفضل الصلوات البعيدة عن الأنانيَّة في حياتي. ووهبت حياتي لله تعالى قائلةً بأنَّ جُلَّ ما أريده في حياتي هو رضاه. وكان يتملَّكني شعورٌ بالحبِّ لن أستطيع أبداً وصفه بالكلمات. فقد لامس حياتي كقطعةٍ سماويَّة، شيءٌ سأبقى أذكره حتى آخر يومٍ في حياتي. وفي الأيام التالية -لا أذكر التاريخ على وجه الدِّقة- ولكن كان ذلك في غضون بضعة أيام، تملَّكتني رغبةٌ شديدةٌ لتعلُّم اللغة العربيَّة. كنت حينها أفكِّر بأن أصبح مترجمةً للبهائيَّة، ولكني كنت دوماً أُحدث ضجةً حول تعلُّم اللغة الفارسيَّة معتقدةً بأنَّها هي اللغة الَّتي أُوحي بها كتاب البهائيَّة المقدس. فهذا الدافع لتعلُّم اللغة العربيَّة جاء دون سابق إنذار، والآن أستطيع إدراك عمل الله تعالى في حياتي. لذلك -وحين سنحت لي الفرصة- أخذت مادَّة اللغة العربيَّة في الجامعة، وقد وقعت في حبها هكذا فقط. لقد عرفت بأنَّ هذا كان دعوةً لي للعمل على اللغة العربيَّة بطريقةٍ ما، ولكنها طرقت بابي هكذا فقط. ولذا غيَّرت مساري وأخذت بعض المواد الإضافيَّة، وقرَّرت أخذ الدِّراسات الإسلاميَّة، والَّتي كانت تقدِّمها جامعتي.
الحمد لله، فالطريقة الَّتي يهدي بها الله تعالى الإنسان إلى سبيله تأخذ الأنفاس. وقبل بدء دروسي قرَّرت أن أحصل على مقدِّمةٍ تمهيديَّةٍ، ولقد وجدت متجراً للملابس الإسلاميَّة مقابل إحدى محطات توقُّف الحافلة التي تُقلِّني، وكانت هناك دعوة ملصقة على الواجهة تعلن عن "دروس الأخوات". ومع شيءٍ من الرَّهبة هاتفتهنَّ وسألت إن كان بإمكاني الحضور، مُشدِّدةً على أنِّي كنت بهائيَّة وأنَّه ليس لديَّ أدنى رغبة في التحوُّل، فقط لأتعلَّم عن الإسلام. وهكذا بدأت بحضور تعليم الأسرة الأسبوعي عن القرآن، والحديث، والفقه، والسيرة، مع بعض المخلوقات الغريبات المتحجِّبات، بلهجتهن الأسترالية "الطبيعية" التي تخرج من تحت حجابهن. الانجذاب الذي شعرت به نحو الإسلام كان هائلاً ومخيفاً. كنت أريد أن أنضم إلى هؤلاء النسوة، وأن أنتمي معهن لهذا الدِّين الذي كنت قد بدأت أتعلَّم عنه، ولكن حتى تلك اللحظة كانت كلَّ خليةٍ في جسمي تقاوم، وتذكرني بأنِّي كنت بهائيَّة، وأنه من غير الممكن أن أستطيع دخول الإسلام. وهكذا – وبعد مضي شهرين - غادرتهنَّ ولم أعُد. كنت مُقتنعةً بأنَّ هذا كان امتحاناً من الله تعالى، محاولاً تثبيتي، ومحاولاً جعلي بهائيَّةً أفضل. قضيت عامين مقاومة لهذه الرَّغبة في التحوُّل، وقارئةً لكلِّ ما تقع عليه يدي عن الإسلام، ومحاولةً عندئذٍ فهمه بعيونٍ بهائيَّة. ولكنِّي بدأت أتساءل أكثر وأكثر. فقد وجدت الكثير ممَّا اعتقدته -أو ممَّا عُلِّمته- بأنَّ البهائيَّة متفرِّدةً به كانت له أُصولٌ إسلاميَّة: كالمساواة بين الرَّجل والمرأة، على الرغم من اختلاف واجبات كلٍّ منهما الاجتماعيَّة (وهذا مما يتميَّز به الإسلام)؛ والقضاء على التفرقة العنصريَّة؛ والحثِّ على التعلُّم والمعرفة؛ ومفهوم الوحي؛ والأوامر الإلهيَّة التي تتخلَّل الحياة الاجتماعيَّة. هذه الأشياء وجدتها محتواةً في الإسلام، ولذا بدأت بالبحث عن الفروق بين الدِّيانتين.
كان الشيء الذي صدمني هو على من يقع التركيز والاهتمام. فبالنِّسبة للبهائيِّين -وعلى الرغم من التبشير بالإيمان بالإله الواحد- لاحظت على الفور الفرق العظيم بين تركيز الاهتمام على بهاء الله- "المُتجلِّي"؛ وبين تركيز الاهتمام على الله تعالى في الإسلام. فقد كنت دوماً كبهائيَّةٍ في صراعٍ مع المفهوم القائل بأنَّه من الأفضل لصلاتي أن تُقام من خلال بهاء الله، لسؤاله هداه وبركاته...إلخ.
فقد كتب شوقي أفندي: "لقد سألتَ إن كانت صلواتنا تذهب إلى ما وراء بهاء الله. والأمر يعتمد إن كنَّا نصلِّي له مباشرةً، أو من خلاله لله. ربما نحن نقوم بالإثنين معاً، وأيضاً نستطيع الصلاة لله مباشرة، ولكن من المؤكَّد أنَّ صلاتنا ستكون أكثر تأثيراً وإشراقاً إن كانت مُعَنْوَنَةً له من خلال المُتجلِّي بهاء الله." _ توجيهات ولي الأمر- صفحة 57-58.
لقد وجدت بأنَّ من الصعوبة البالغة فعل ذلك، وكنت غالباً أُصلِّي لله تعالى فقط. ولذا عندما وجدت في الإسلام كيف أنَّ التركيز قد أُخذ من الرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم) وأُعطي لله تعالى، بدا الأمر أكثر طبيعيَّةً، وكان مناسباً جداًّ. ومفهوم "التجلِّي" نفسه بدا لي مُشابهاً لمفهوم "التجسيد" المسيحيّ. وأيضاً كان من المفاجئ أنَّ هذا الدِّين (الإسلام) كان يقول بأنَّ الأنبياء كانوا من البشر كباقي الناس العاديِّين (بيد أنَّهم من الطيِّبين)، وأنَّ الله تعالى وحده هو الذي صنع تلك المعجزات. وكان هذا ممَّا يُعبَّر عنه من خلال أشياء بسيطة، كالترديد الدَّائم للحمد لله وسبحان الله طيلة الحياة، مُتوجِّهين بذلك للإله الواحد الذي يجب أن يُعبد. فقد شعرت أنَّ التوحيد هو الشكل الأكثر نقاءً للعبادة، وآمنت بأنَّ العقيدة البهائيَّة تتخلَّى عن ذلك بجعلهم الله تعالى كجوهرٍ غير معلومٍ لا يمكن الوصول إليه إلَّا من خلال تجلِّياتٍ مختلفةٍ لمعبودٍ بشريّ. أكره قول ذلك، ولكنَّ هذا هو الشِّرك بعينه. يجب أن أقول إنَّني كبهائيَّةٍ لم أجد هذا الموضوع جديراً بالاهتمام، فعادة - وكما كنت أفعل حقاًّ - كنت أُصلِّي لله تعالى فقط، وكنت أنظر للمُتجلِّين على أنَّهم من خاصَّة خاصَّة الناس.
على الرغم من ذلك، بدأت أجد أنَّ الدِّيانة البهائيَّة لم تكن ذات مصداقيَّةٍ كافية، وذلك -كما أعتقد- حين كانت هناك أوقات تحاول فيها الادِّعاء بأنَّ كلَّ الأديان العالميَّة الكبيرة هي نماذج من البهائيَّة. والبهائيِّون أيضاً لا يقيمون اعتباراً للأمور التي تعتبرها الأديان الأخرى أساسيَّة، أو أنَّهم يقومون بتأويلها "رمزياًّ" لتتناسب مع التأويلات البهائيَّة (ومثالٌ جيِّدٌ على ذلك هو اليوم الآخر)؛ أو أنَّهم يقولون بأنَّ القليل جداًّ هو المعروف عمَّا عناه المؤسِّس الأوَّل لهذه الديانة بأنَّهم يستطيعون نبذ الذي يعتقده مؤمنو العصر الحديث، ومثال على ذلك هي البوذيَّة وأساسها الإلحادي؛ في حين أنهم في نفس الوقت يدَّعون في "كتاب الإيقان" بأنَّ من الإجحاف التصريح بأنَّ نصَّ الكتاب المقدَّس قد أُفسد تاركاً البشريَّة دون إمكانيَّة الوصول إلى التعاليم والمعرفة للنبيِّ الذي جاء بذلك الكتاب.
و الذي كان يحدث غالباً هو صرف النظر ببساطةٍ عن أيِّ مفهومٍ أساسيٍّ أو صالحٍ في الأديان المختلفة وذلك بالقول "حسناً، فنحن نستطيع تأويل ذلك رمزيًّا ". حيث إنَّ هناك بالتأكيد مكاناً للكثير من التعابير المجازيَّة. وأظن بأنَّ التأكيد القويَّ على ذلك هو بالضبط ما حذَّر منه الله تعالى بقوله:
"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (آل عمران 7).
في النهاية قرَّرت بأنِّي بحاجةٍ لاتِّخاذ القرار. فقد أصبحت أُحاول تطبيق العقيدة البهائيَّة إسلاميّاً، لكنَّ ذلك لم يكن ناجحاً على الإطلاق.
والشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لي كان الجلوس بحضرة النفاق: فمجموعةٌ نسويَّةٌ بسيطةٌ مُنعت من زيارة كبار السنِّ في بيت التمريض المحليِّ لأنَّه لم يكن مكاناً يصلح لتقوم فيه النسوة بالتعليم. هذا لأنَّ سياسة بيت التمريض ضد تغيير الأديان في حدود ممتلكاته. ولهذا السبب كانت الأمكنة الأخرى تجذب اهتمام المجموعة النسويَّة. فتوصَّلت إلى الإدراك بأنَّ ما تُقدِّمه الدِّيانة البهائيَّة ما هو إلَّا حلم ذهبيَّ، ولكنَّها تتجاهل العمل الجاد الذي يحتاج إلى مجهود، وهي الحاجة الضروريَّة التي من المفترض على الدِّين أن يدعو إليها.
ومما كتب شوقي أفندي أيضاً: "... في المقام الأوَّل، كلُّ مؤمنٍ حرٌّ في اتِّباع ما يُمليه عليه ضميره بخصوص الطريقة التي يُنفق بها ماله الخاص. وفي المقام الثاني، يجب علينا أن نتذكَّر بأنَّ هناك عدداً قليلاً من البهائيِّين في العالم، نسبةً إلى عدد السكان؛ وهناك الكثير من الفقراء، وحتى لو أننا كلُّنا قدَّمنا كلَّ ما نملك، فإنَّ ذلك لن يُخفِّف إلَّا قدراً مُتناهٍ في الصِّغر من المعاناة. هذا لا يعني أنَّنا لا يجب أن نساعد المحتاجين، بل يتوجَّب علينا ذلك؛ ولكنَّ مساهماتنا في الدِّين هي الضمانة الأكيدة لرفع عبء الجوع والبؤس عن الإنسانيَّة دفعةً واحدةً وإلى الأبد، وذلك لأنَّه فقط من خلال النِّظام البهائيِّ -إلهيِّ المصدر- يمكن للعالم أن يقف على رجليه، وأن يتخلَّص من الخوف والجوع والحروب، إلخ. فغير البهائيِّين لا يمكنهم المساهمة في عملنا أو القيام به بدلاً عنَّا؛ ولذا فإنَّ التزامنا الأوَّل حقاًّ هو لدعم عملنا التبشيريّ، حيث إنَّ هذا سيقود لعلاج البشريَّة." توجيهات ولي الأمر، الصفحة 14-15.
قارنت ذلك بما جاء في الإسلام الذي يقول:
"لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" ( البقرة 177)
" وفيما رواه سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على كل مسلم صدقة فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة " (أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى).
وكما جاء عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال بما معناه: كلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصدقة كنا نذهب إلى السوق فنعمل حمالين للحصول على مُدٍّ (الصاع الذي تقاس به الحبوب) فنتصدق به. وكانت تلك أيام فقر، أما اليوم فإن بعضنا يملك مائة ألف.
وهكذا وفي التاسع من شهر تشرين الثاني من عام 1997 شهدت بأنَّه لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله، وكان ذلك أمام نفس أولئك النسوة المسلمات اللآتي قدَّمن لي التذوُّق الأوَّل للإسلام قبل ذلك بعامين،
والحمد لله أصبحت مسلمة.
الله أكبر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين