موقف البهائية من الإلوهية
دعوى الباب أنه الإله:
لقد كانت النتيجة الطبيعية لالتزام الباب وتصوره لحقيقة النبوة على الوضع المتمثل في حلول الله عز وجل أو صفاته المقدسة في هياكل وصور هؤلاء الأنبياء أن يدعي الباب أنه الإله الحق من حيث كونه على حد تعبير البابية مجلي وجهه سبحانه ومشرق صفاته المقدسة ومظهر أمره كما هو الحال في سائر الأنبياء والمرسلين غير أن ظهوره سبحانه في هيكله أشد وأقوى وتجليه تعالى في شخصه أتم وأكمل اتساقاً مع شريعة التطور والترقي، فكل ظهور لاحق أكمل وأجلى من الظهور السابق بقول الباب ما ترجمته من الفارسية: "أنا قيوم الأسماء مضى من ظهوري ما مضى، وصبرت حتى يمحص الكل، ولا يبقى إلا وجهي، وأعلم بأنه لست أنا، بل أنا مرآة، فإنه لا يرى في إلا الله"
دعوى البهاء أنه الإله:
ليس بدعاً أن يتبجح البهاء ويزعم للناس أنه الإله، وقد جهر بدعوى النبوة بالمعنى الذي أسسه غلاة الشيعة والباطنية في القديم، والأحسائي والرشتي ( بما يئول إلى حلول الإله عز وجل أو صفاته المقدسة في هياكل الأنبياء والرسل).
وقد صرح البهائية بمعتقدهم في البهاء والألوهية على الوجه الأتي:
1- أنه تعالى مفتقر في ذاته وصفاته إلى أنبيائه ورسله الذين هم مشارق ذاته ومظاهر صفاته ومهابط وحيه.
يقول داعيتهم الأكبر أبو الفضل الجرفادقاني: "نـحن معاشر الأمة البهائية نعتقد بأن مظاهر أمر الله ومهابط وحيه هم بالحقيقة مظاهر جميع أسمائه وصفاته، ومطالع شموس آياته وبيِّناته، لا تظهر صفة من صفات الله تعالى في الرتبة الأولية إلا منهم، ولا يمكن إثبات نعت من النعوت الجلالية والجمالية إلا بهم، ولا يعقل إرجاع الضمائر والإشارات في نسبة الأفعال إلى الذات إلا إليهم؛ لأن الذات الإلهية والحقيقة الربانية غيب في ذاتها متعال عن الأوصاف بحقيقتها، فلا توصف بوصف ولا تسمى باسم، ولا تشار بإشارة، ولا تتعين بإرجاع ضمير؛ لكونها منزع كل هذه المدارك الحسية، وهي فوق الإدراك، فكل ما توصف به ذات الله ويضاف ويسند إلى الله من العزة والعظمة والقدرة والقوة والعلم والحكمة وغيرها من الأوصاف والنعوت يرجع في الحقيقة إلى مظاهر أمره ومطالع نوره ومهابط وحيه ومواقع ظهوره . . . إلخ(1)
2- وأن الله تعالى ليس له وجود الآن (أي مدة حياة البهاء) إلا بظهوره في مظهر البهاء.
3- وأنه- تعالى عن قولهم- كان يظهر قبلاً بمظاهر تافهة في الديانات السابقة أي في شخص سيدنا عيسى مثلاً وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام لكنه بظهوره في البهاء الأبهى بلغ الكمال الأعلى.
يقول أبو الفضل الجرفادقاني: اعلموا أضاء الله وجوهكم البهية بنوره الوضاح وأيد كلمتكم العالية بآيات البر والنجاح أن هذه الأدلة والبراهين تثبت حقية مظهر أمر الله في زماننا هذا أكثر وأوضح وأجل ما كانت عليه حقيقة مظاهر أمر الله (أي الأنبياء) في الأزمنة السابقة، إن هذه البراهين قائمة ومتوفرة في هذا الظهور الأعظم الأسنى والطلوع الأفخم الأبهى، ونعني به ظهور سيدنا البهاء جل اسمه وعز ذكره أكثر مما توفر في ظهور من سبقه من الأنبياء؛ بحيث لو أنكر أحد هذا الظهور الأعظم وأنكر أدلته وبراهينه الواضحة الجلية لا يمكنه إثبات حقيقة دين من الأديان الماضية"(2)
ويقول البهاء مصرحاً بالألوهية على هذا المنحى: "يا ملأ الإنشاء اسمعوا نداء مالك الأسماء، إنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم إنه لا إله إلا أنا المقتدر المتكبر المتسخر المتعالي العلم الحكيم . . . إلخ "(3)
يقول الميرزا عبد البهاء:"وقد أخبرنا بهاء الله بأن مجيء رب الجنود والأب الأزلي ومخلص العالم الذي لابد منه في آخر الزمان، كما أنذر جميع الأنبياء عبارة عن تجليه في الهيكل البشري( كما تجلى في هيكل عيسى الناصري) إلا أن تجليه في هذه المرة أتم وأكمل وأبهى فعيسى وغيره من الأنبياء هيئوا الأفئدة والقلوب استعداداً لهذا التجلي الأعظم"(4)
ويرى البهائيون أن الله ليس له أسماء ولا صفات ولا أفعال ، وأن كل ما يضاف إليه من أسماء وصفات وأفعال هي رموز لأشخاص متميزين من البشر قديماً وحديثاً وهم مظاهر أمر الله ومهابط وحيه.
يقول قائل من أتباع البهاء : "نـحن نعتقد بأن مظاهر أمر الله ومهابط وحيه هم بالحقيقة مظاهر جميع أسمائه وصفاته، ومطالع شموس آياته وبيناته ، لا تظهر حقة من صفات الله تعالى في المرتبة الأولية إلا منهم ، ولا يمكنه إثبات نعت من النعوت الجلالية والجمالية إلا بهم ولا يعقل إرجاع الضمائر والإشارات في نسبة الأفعال إلى الذات إلا إليهم، لأنه الذات الإلهية ، و الحقيقة الربانية غيب في ذاتها متعال عنه الأوصاف بحقيقتها منزه عنه النعوت بكينونتها لا تدركها العقول ولا تبلغ إليها الأفهام ، ولا تحويها الضمائر، ولا تحيط بها المدارك ، فلا توصف بوصف ولا تسمى باسم، ولا تشار بإشارة و لا تتعين بإرجاع ضمير ، لكن منزه عن كل هذه المدارك الحسية وهي فوق الإدراك .
لأن كل مدرك محاط و كل محاط محدود ذو وضع ، وهذا من صفات الجسم والجسمانية . . . فكل ما توصف به ذات الله ويضاف ويسند إلى الله من العزة والعظمة والقدرة والعلم والحكمة، والإرادة والمشيئة وغيرها من الأوصاف والنعوت ، يرجع بالحقيقة إلى مظاهر أمره ومطالع نوره ، ومهابط وحيه ، ومواقع ظهوره ، وقد وقعت هذه المسألة من القلم الأعلى مبينة مفصلة في ألواح ربنا الأبهى فأظهر الله تعالي جواهر أسرارها في الصحف المطهرة ببيانه الأجلى"(5)
تعالى الله عز وجل عما يقولون علواً كبيرا
1- الدرر البهية ص 54،56
2- نفس المصدر ص98
3- المفتاح ص 419
4- البابية والبهائية ص 54
5- البهائية، محب الدين الخطيب ص28