دعاة البهائية ومجلة البيان المصرية
فتوى الشيخ/ محمد رشيد رضا
من (ف-صحفي قديم).
حضرة العالم الفاضل صاحب المنار الأغر، نشرت مجلة البيان التي تصدر في مصر مقالاً عن البهائيين وزعيمهم عباس أفندي جاء فيها ما يأتي:" ذلكم مولانا عباس أفندي اللقب بعبد البهاء بطل الإصلاح الديني وسيد المصلحين الدينيين، والمصدر الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه( البهائية هي كمال حي)- ( هي الكاثوليكية الصادقة)، وما دعوتها في الحقيقة إلا دعوة إصلاح ورقي للإسلام-إن أنصارها استخرجوا أسمى تعاليم القرآن فنقوها ما علق بما ليس من الدين الصحيح في شيء-(إن نعيم الآخرة وهم وخيال)
هذا بعض ما جاء في تلك المجلة وما نشره صاحبها المسلم الأزهري عقب مقابلته لزعيم البهائيين في الإسكندرية.
وقد رد على البيان الأستاذ صاحب عكاظ في عدة مقالات، وتبعه كاتب في جريدة الشعب ثم تبعتهما جريدة الأفكار،وكلهم كان يطلب إلى صاحب البيان تكذيب ما نشره في هذا الموضوع والرجوع إلى الحق ولكنه كان يقول لهم: أني أكتب عن البهائيين وزعيمهم كما كتبنا عن فولتير وسبنسر ونيتشه، وكما كتب الأوربيون عن العظماء والفلاسفة والنابغين.
فما رأي العالِم الجليل صاحب المنار قي ما نشره البيان في موضوع البهائيين وزعيمهم وما رأيه في رد عكاظ أولاً والشعب والأفكار ثانياً؟
ج:
بينّا في المنار مراراً أن البهائية قد انتحلوا ديناً جديداً في هذا العصر، وان دينهم أبعد عن الإسلام من دين اليهود؛ لأن دين اليهود دين التوحيد الذي هو أساس الإسلام، وأساس دين البهائية وثني مادي، وهم يعبدون والد زعيمهم عباس أفندي الملقب بـ( عبد البهاء) وما هذه اللقب إلا عنوان القول بإلوهية البهاء.
ولهم شريعة ملفقة من الأديان المختلفة، وفلسفتها هي عين فلسفة سلفهم من فرق الباطنية، الذين حاربوا الإسلام بالدسائس التي اخترعتها لهم جمعيات المجوس السرية لإفساد أمر المسلمين، وإزالة ملكهم انتقاماً للمجوسية التي أبطلها الإسلام.
ألا وإن ميرزا حسين الملقب بالبهاء هو وولده الداهية عباس أفندي قد جعلا تنقيحاً جديداً لما دعا إليه الأبله الثرثار ميرزا محمد على الذي اشتهر بلقب (الباب) وإنما مهد السبيل لدعوته في بلاد الفرس بدعة الشيخية، الذين هم أكبر المفسدين في الشيعة الإمامية، وسننشر في المنار شيئاً من فلسفتهم الخيالية، التي انتزعوها من أباطيل الباطنية، وزفوها في معرض الأساليب الصوفية.
وجملة القول أن دين البهائية دين مخترع، افتراه الباب المخدوع، ونقحه بتمادي الزمان الباقعة عباس أفندي، وهو أضر على الإسلام من كل دين في الأرض لأن أهله يسلكون في الدعوة إليه مسلم سلفهم الطالح في مخادعة عوام المسلمين، وإيهامهم أنهم يصلحون لهم دينهم، واحتجاجهم بالشبهات التي يحرفون بها القرآن والأحاديث بالتأويلات البعيدة، فهم أكبر فتنة على المسلمين في هذا العصر، ولاسيما على الشيعة؛ لأن الغلو في التشيع سلم للباطنية، ولهذا كان يقول بعض العلماء: " ائتني برافضي كبير أخرج لك منه باطنياً صغيراً، وائتني بباطني كبير أخرج لك زنديقاً كبيرا".
فمن عرف دين البهائية من لمسلمين ومدحه واستحسنه وشهد بكونه حقاً أو إصلاحاً للإسلام، وكونه هو أو زعيمه معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كان بذلك مرتداً عن الإسلام وإن زعم أنه مسلم، فهو زنديق منافق كسائر الباطنية إذا كانوا ضعفاء بين المسلمين، فالبهائية كسلفهم من الباطنية يتوسلون بدعوى الإسلام بين المسلمين ليقبل كلامهم في دعوتهم إلى باطلهم، وتحريف معاني القرآن للاستدلال عليها وإبطال ما يفهمه المسلمون منها، فإذا كان صاحب البيان قد قال ما نقله عن السائل معتقداً له فالأمر ظاهر، وإن كان كتبه عن جهل بحقيقة القوم فكان الواجب عليه بعد أن نبهته جريدة عكاظ وغيرها أن يرجع إلى الحق ويصرح ببطلان دين البهائية، وتحذير المسلمين من خداع دعاته( ويسموهم مبلغين)
وأما ما ذكره السائل عن الاعتذار عن تقديس دين وثني مادي وتقديس داعيته وأحد مخترعيه- بأن مدحه له كمدحه لفولتير- فهو غريب، فإن مدحه لفولتير إن كان باطلاً فهو تأييد للباطل بالباطل، وإن كان يراه حقاً ويرى أن ما قاله في عباس أفندي ودينه حق أيضاً، يكون قد ارتد عن الإسلام ودخل في دين البهائية. وإلا فإن من قال حقاً وقال باطلاً لا يكون قوله الحق مرة عذراً له إذا قال الباطل بعده. والذين مدحوا مثل فولتير من كتاب الإفرنج كانوا مثل مارقين من النصرانية، فهل يرضى صاحب البيان أن يكون مدحه لعباس كمدحهم لفولتير؟
وليس ما نقله السائل عن البيان قول مؤرخ يحكي شيئاً وقع لا رأي له فيه، حتى يقال:" إن حاكي الكفر ليس بكافر"، بل ذلك مدح لهذا الدين الجديد وتفضيل له على غيره يتضمن دعوة المسلمين إليه. فإذ لم يكن هذا مراده فليصرح كتابة ببراءته من البهائية والتحذير من كفرهم بالإسلام. على أن فيما نقله السائل عنه ما هو في نفسه بالإجماع، كإنكار حقيقة نعيم الآخرة، وتسميته وهماً وخيالاً بناءً على أن هذا من مذهبهم، وجملة القول: إن من شأن المسلم أن لا ينشر شيئاً يعد كفراً في دينه، وأن لا ينقله عن غيره مقراً له ومستحسناً. فكيف ينوه بمدح دين جديد يراد به نسخ الإسلام وإبطاله من الأرض، ويصفه بأنه هو الحق الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ.. } فصلت 42
وقد قرأنا بعض ما نشر في عكاظ رداً على البيان فرأيناه مبنياً على أساس الصواب ولم نر ما كتب في جريدة الشعب؛ لأننا لا نكاد نقرأها بل قلما نراها-وكذا جريدة الأفكار- والحق ظاهر في نفسه.