صراع لنفي فرية النزاع بين الإسلام والعلم
من كتاب :
صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم
تأليف
عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان
أثار الناقد (د. العظم) ما أسماه مشكلة النزاع بين العلم والدين ، وفسر الدين بقوله: "أي: الإسلام بصورة رئيسية بالنسبة لنا".
ثم أعلن أنه يريد أن يسترسل في شرح وجهة النظر التي ترى أن الدين كما يدخل في صميم حياتنا ، وكما يؤثر في تكويننا الفكري والنفسي ، يتعارض مع العلم ومع المعرفة العلمية قلباً وقالباً روحاً ونصاً .
ثم لوَّح بأن هذا الخط المحارب للدين الإسلامي سينتصر كما انتصر على العقلية الدينية التي كانت سائدة في أوروبا . بعد مرور قرنين ونصف من الحرب الطويلة بين العلم والدين هناك ، فقال في الصفحة (21) من كتابه:
"يجب أن لا يغيب عن بالنا أنه مرت على أوروبا فترة تتجاوز القرنين ونصف القرن ، قبل أن يتمكن العلم من الانتصار انتصاراً حاسماً في حربه الطويلة ضد العقلية الدينية الي كانت سائدة في تلك القارة ، وقبل أن يثبت نفسه تثبيتاً نهائياً في تراثها الحضاري ، ولا يزال العلم يحارب معركة مماثلة في معظم البلدان النامية ، بما فيها الوطن العربي ، علماً بأنها معركة تدور رحاها في الخفاء ، ولا تظهر معالمها للجميع إلا بين الفينة والأخرى".
هذا ما قاله (د. العظم) بلسانه عن نفسه ، وعن سائر كتائب ملحدي هذا العصر ، ونحن نقول : لا ضير ولا خوف على الدين الإسلامي من هذه الحرب الشعواء التي يشنها الملاحدة المتسترون بالعلمانية ، فالدين الإسلامي بمفاهيمه الصحيحة الثابتة ، وأصوله الفكرية الراسخة لا يخشى العلم الصحيح الذي يستطيع أن يثبت نفسه بالأدلة الصحيحة عبر الزمان ، وستسفر المعركة إن وجدت بين الإسلام والعلم عن التقاء تام على خط واحد بين الصحيح مما نسب إلى الدين ، والصحيح مما نسب إلى العلم ، وانتصار الإسلام والمفاهيم الإسلامي على النظريات والفرضيات الباطلة المنسوبة إلى العلم ، ولا ضير من تصحيح المفاهيم الاجتهادية التي فهمها بعض العلماء المسلمين في عصور مختلفة ، إذا استطاع العلم أن يثبت صحة نظرياته المخالفة لهذه المفاهيم .
وليس هذا تراجعاً في الدين ، وإنما هو تصحيح لأخطاء المجتهدين في تحديد بعض مفاهيمه ، بما يتوصل إليه العلم من حقائق ، ويظل الإسلام هو الدين الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو لا يتحمل بحال من الأحوال جريرة أخطاء المفسرين لنصوصه ،والمجتهدين في استخراج مفاهيمه .
ومما لا شك فيه أن المسلمين يتعرضون في هذا لأخطر حرب تعرضوا لها في تاريخهم الطويل ، إنها حرب قائمة على التضليل الفكري الذي يلبس أثواب العلمانية ، وتقودها أجهزة شديدة الحذق في صناعة المكايد ، وفي تزوير الحقائق العلمية ، وتزييف مستنداتها ، وفي يدها المال الكثير ، والأجهزة العسكرية العظيمة ، والمراكز التعليمية الكبرى في العالم ، والتنظيمات الحزبية المنبثة في كل قطر ، وهي لا تهدف إلى مجرد الاحتلال العسكري في خطة غزوها ، ولكن تهدف أيضاً إلى احتلال الأفكار ومراكز العقائد ، واحتلال النفوس ومراكز العواطف ، وتشتري من داخل كل أمة صنائع وأجراء لها ، ببذل المال ، والوعود والإغراءات ومرضيات الشهوات الفاجرة .
ومع كل هذه الأثقال العتادية التي تحملها هذه الحرب ضد الإسلام والمسلمين فإننا واثقون من أن العقيدة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية الصحيحة ستنتصر أخيراً ، على كل الحملات الغازية ، لأن الحق مؤهل بطبيعته لأن يكون هو المنتصر في آخر الأمر ، وإن أصابته أثناء معاركه مع الباطل متاعب ومشقات ، وإن سقط من جنوده شهداء كثيرون ، ومهما بدا في أول الأمر ظهور مزيف للباطل ، إن هذا الظهور زَبَدٌ لا قيمة له ، وسيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض مع مكث الحقائق واستقرارها .
والتاريخ يشهد لهذه الحقيقة ، فقد جاءت من قبل جيوش غازية إلى بلاد المسلمين ، ففتكت فتكاً ذريعاً ، ودمرت تدميراً منكراً ، ولكنها رجعت في آخر الأمر تحمل الإسلام في قلوبهم وفي سلوكها وأعمالها ، لقد غزا الحق الرباني قلوبها ونفوسها وأفكارها ، بعد أن دخلت غازية له تريد تحطيمه وتدمير كل ما يتصل به .
وكم من رجال مفكرين كانوا ملحدين بالله ، تأثراً في مطلع حياتهم بأفكار الإلحاد ، وبتضليلات المؤسسات الإلحادية في العالم ، التي تلبس العلمانية ، وتحمل أسلحة التقدم العلمي والصناعي ، وشعارات الثورية والتغيير الاقتصادي والاجتماعي ، ثم اتجه هؤلاء المفكرون نحو الإسلام لنقده واقتلاعه من جذوره ، لكنهم كانوا في الواقع طلاب حقيقة ، خدعوا بتزييفات المضللين ، فلما درسوا الإسلام ، وأمعنوا النظر في كتاب الله القرآن ، ليستخرجوا منه ما يحاربونه به ، إذا بهم يشهدون الحق فيخشعون لله وإذا بهم يجندون أنفسهم وعلومهم وفلسفاتهم للدفاع عن الإسلام ، ولإعلاء كلمة الله بين الناس ، وإذا بهم يتحولون إلى دعاة هدى وإيمان ، بعد أن كانوا قد تجندوا فعلاً في جيش دعاة الضلالة والإلحاد .
وأما تلويح (د. العظم) بانتصار الإلحاد تحت ستار العلم ، وقياسه الدين الإسلامي على غيره ، وقياسه المسلمين على الشعوب الأوروبية ، فهو تنبؤٌ منه يحمل تفاؤلاً مفرطاً لقضية الإلحاد ونشره في الأرض ، واكتساحه للعقائد الإيمانية ، وهذا الإفراط في التفاؤل يطمعه به بعض الانتصارات الزمنية التي حققها اليهود على الجيوش العربية ، إذ استطاعت دسائسهم أن تعزل الإسلام والمسلمين الواعين عن المعركة .
وأما ما يسمى بالنظريات العلمية التي وضعت خصيصاً لدعم قضية الإلحاد في الأرض فهي نظريات زمنية ، لا تلبث طويلاً حتى تأتي كشوفات علمية جديدة ، ترافقها أوراق نظريات جديدة تلغيها إلغاءً تاماً ، وتقترب النظريات الجديدة من مواقع الإيمان خطوات علمية سليمة ، وتخسر قضية الإلحاد كثيراً من أسلحتها التي تلبس رداء التقدم العلمي والصناعي زوراً وبهتاناً ، كما قال الله تعالى سورة (الصف/61 مصحف/109 نزول):
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ}
وأما انتصار قضية الإلحاد في أوروبا فقد شرح أسبابه (وولتر أوسكار لندبرج) عميد معهد هورمل منذ سنة (1919م) ، وخص بالذكر سببين:
الأول : ما تتبعه بعض الجماعات أو المنظمات الإلحادية ، أو الدولة ، من سياسة معينة ترمي إلى شيوع الإلحاد .
الثاني : المعتقدات الفاسدة التي تجعل الناس منذ الطفولة يعتقدون بإله على صورة الإنسان .
وطبيعي أن هذا السبب الثاني غير موجود في العقائد الإسلامية ، لأنها قائمة على الحق الموافق للبراهين العقلية والأدلة العلمية .
ألا فليخفف (د. العظم) وسائر الملحدين من تفاؤلاتهم بانتصار قضية الإلحاد في دنيا المسلمين ، فالله من ورائهم محيط ، وليمت الملحدون بغيظهم إن شاؤوا ، فالله متمٌّ ولو كرهوا.
بكل مجازفة مشحونة بالمغالطة زعم الناقد (د. العظم) – لسان طائفة من ملحدي هذا العصر – أن الإسلام والعلم يختلفان ويتنازعان في المنهج الذي يجب اعتماده في الوصول إلى المعارف والعلوم ، وفي البحث عن الحقائق .
وقد غدا واضحاً أن سبيله وسبيل سائر الملحدين في مغالطاتهم ، أن يقرروا من عندهم أموراً ينسبونها إلى الإسلام ، وما هي بالمفهوم الصحيح له ، ليغالطوا الناس بها .
وقد أحصيت في الفصل الأول من هذا الكتاب أصول مغالطاتهم ، وهي ترجع إلى تعميم أمر خاص ، أو تخصيص أمر عام ، أو ضم زيادات وإضافات ليست في الأصل ، أو حذف قيود وشروط لازمة ، أو التلاعب في معاني النصوص ، أو طرح فكرة مختلقة من أساسها ، أو تصيد بعض الاجتهادات الضعيفة لبعض العلماء وجعلها هي الإسلام ، أو التقاط مفاهيم شاذة موجودة عند بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام ، أو نسبة أقوال إلى غير قائليها أو إلى غير رواتها ، أو كتمان أقوال صحيحة وعدم التعرض إليها مع العلم بها وشهرتها ، أو نحو ذلك مما يتصل بهذا التضليل القائم على التلاعب بالحقائق ، بغية تهديم الإسلام وعقيدة الإيمان بالله ، ودعم قضية الإلحاد ونشر الكفر والفساد في الأرض ، وهم يخدمون في كل ذلك مصالح شياطين الإنس ، مقابل أجر يدفع لهم من دمائهم ودماء أمتهم ، كالهر الذي يلعق المبرد ليجزيه المبرد من قطرات الدم ، وليست هذه القطرات إلا من دماء اللاعق ، والتخدير الذي يحقن العدو به أعصابهم كفيل بأن يلغي الإحساس بالأمل ، ريثما تتم عملية الاستنزاف .
ولبيان فساد فرية النزاع بين الإسلام والعلم نذكر القارئ بما جاء في الفصل الثاني من هذا الكتاب "الحقيقة بين الدين والعلم" ونزيده هنا بعض تفصيلات تستدعيها طبيعة الجدال والمناظرة .
لقد وضح لدينا بالبيان التحليلي التفصيلي أن الإسلام والعلم لا يختلفان ولا يتنازعان في المنهج الذي يجب اعتماده في الوصول إلى المعارف والعلوم ، وفي البحث عن الحقائق ، على خلاف ما افتراه الناقد (د. العظم).
إن الإسلام والعلم الصحيح يسيران على منهج واحد في الوصول إلى المعارف والبحث عن الحقائق ، حتى يصل البحث إلى منطقة عالم الغيب ، فإذا وصل البحث إلى هذه المنطقة توقفت الوسائل الحسية وبقي المنهج الاستدلالي ، وضمن المنهج الاستدلالي يبحثان وفق منهج واحد ، وعند الخلاف المحتمل يبدو الفكر الإسلامي هو المرجح بأدلته الاستدلالية ، وبمفاهيم نصوصه الآتية من عالم الغيب نفسه ، ولا بد من مراعاة الأصول المنطقية العامة لدى فهم دلالات هذه النصوص .
ويظل حال التوافق بين الإسلام والعلم على المنهج الاستدلالي في مسيرة البحث عما في عالم الغيب من حقائق ، حتى تنقطع الوسائل الاستدلالية ، عندئذٍ يقول العلم : لقد انتهت رسائلي ، ولكني لا أمانع احتمال وجود وسائل أخرى قد يأتي عن طريقها معارف وحقائق داخلة في عالم الغيب ، وقد عجزت وسائلي الحسية والاستدلالية عن إدراكها ، والحكم عليها بإثبات أو نفي .
وهنا يأتي الدين فيقدم ماعني بالإرشاد إليه والتعريف به . مما هو داخل في عالم الغيب ، ولا تملك الوسائل الحسية والاستدلالية إدراكه ولا الحكم عليه بإثبات أو نفي ، ولا يملك العلم الإنساني هنا إلا أن يذعن للدين ، أو يقول : لا أدري ، لكني علمت أن ما جاء به الدين مما علمته بوسائلي قد كان حقا ً.
أما منطقة التكاليف الدينية والتعاليم الشرعية فهي أوامر قيادة ، يقصد منها بالدرجة الأولى امتحان الإرادة في مجال الطاعة والمعصية ، ويكفي فيها باعتبار الأصل أن تكون كيفية تتبع ما تراه القيادة دون مناقشة ، إلا أن الإسلام كان في أوامره القيادية حكيماً ، إذ راعى فيها مصالح الأفراد والجماعات ، وما يحقق لهم سعادة الحياة الدنيا ، إضافة إلى ما وعدهم به من أجر عظيم ينالونه في الآخرة ، إذا هم رعوها حق رعايتها . وامتثلوا ما جاء فيها .
لكن الناقد (د. العظم) يقول لنا : هذا كلام تقريري منكم ، ولا ينفع في إثبات الحقائق مجرد إيراد أقوال تقريرية خطابية عامة ، غير مؤيدة بدلائل واقعية ، وإذ يقول هذا الكلام يصر على طرح دعوى التناقض بين الإسلام والعلم في المنهج الذي يجب اعتماده في الوصول إلى القناعات والمعارف والعلوم .
وحين نتابع كلامه نجده يفتري على الإسلام بمجرد الدعوى فقط ، ولا يقدم غير كلام تقريري غير مدعم بأي دليل واقعي ، وحينما يأتي بكلام يراه دليلاً نجده في الحقيقة تقريراً جديداً كذباً ، أو مغلفاً بمغالطة من مغالطاته .
هذه هي خطته العامة كما رأينا ، ولكن سنكشف كذبه وافتراءه في قوله لنا : هذا كلام تقريري منكم للتوفيق بين الإسلام والعلم ، وفي دعواه وجود التناقض بين الإسلام والعلم في المنهج الذي يجب اعتماده في الوصول إلى القناعات والمعارف والعلوم .
يقول في الصفحة (22) من كتابه:
"فبالنسبة للدين الإسلامي ، إن المنهج القويم للوصول إلى مثل هذه المعارف والقناعات هو الرجوع إلى نصوص معينة تعتبر مقدسة أو منزلة ، أو الرجوع إلى كتابات الحكماء والعلماء الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص ، أما تبرير العلمية بأسرها فيستند إلى الإيمان ، أو الثقة العمياء بحكمة مصدر هذه النصوص ، وعصمته عن الخطأ ، ومن نافل القول أن نردد أن الطريقة العلمية في الوصول إلى معارفنا وقناعاتنا عن طبيعة الكون ونشأته ، وعن الإنسان وتاريخه ، تتنافى تماماً مع هذا المنهج الاتباعي السائد في الدين ، لأن المنهج العلمي قائم على الملاحظة والاستدلال ، ولأن التبرير الوحيد لصحة النتائج التي يصل إليها هذا المنهج هو مدى اتساقها مع بعضها ، ومدى انطباقها على الواقع".
كلام (د. العظم) هذا مشحون بالمغالطات والأكاذيب .
لقد بدأ كلامه عن المنهج العلمي للوصول إلى قناعات ومعارف عن نشوء الكون وتركيبه وطبيعته ، وعن تاريخ الإنسان وأصله وحياته خلال العصور ، ثم ادعى أن منهج الإسلام القويم في كل هذه المواضيع هو الرجوع فقط إلى نصوص معينة تعتبر مقدَّسة أو منزَّلة ، وأوهم في سرد كلامه بعد ذلك أنه لم يكن لعلماء المسلمين في هذا المجالات عمل علمي إلا درس النصوص الدينية وشرحها .
فهل هذه الدعوى تنطبق على الواقع؟ أم هي فرية ومغالطة قائمة على التعميم؟
لو كان هذا الكلام صحيحاً بالنسبة إلى تركيب الكون وطبيعته ، وتاريخ الإنسان وحياته خلال العصور ، فمن أين نشأت الثروة العلمية العظيمة في هذه المجالات عند المسلمين ، والتي كانت مصدر انطلاق الحضارة الحديثة في علومها وبحوثها وكشوفها ومنهجها ، باعتراف كبار علماء هذه الحضارة نفسها ، وباعتراف كبار مؤرخيها .
هل كانت كل ثروات المسلمين العلمية في هذه المجالات تفسيراً لنصوص دينية ؟
إن أصغر دارس لعلوم المسلمين يكذب هذه الفرية ، قد نجد في مقدمة كل علم شواهد دينية تحث على دراسة الكون ، واكتشاف صفاته وخصائصه وسُننه ، وقد نجد في ثناياه نصوصاً دينية تشير إلى بعض المعارف التي اشتمل عليها ، باعتبارها أحد وسائل المعرفة ، ولكن ليس معنى هذا انحصار منهج المعرفة عند المسلمين بتفسير النصوص الدينية وشرحها .
هل علم الكيمياء الذي شق المسلمون طريقه قد كان تفسيراً لنصوص قرآنية أو نبوية؟ ومعلوم أن هذا العلم من دراسة طبيعة الكون .
هل علم الفيزياء الذي صحح المسلمون كثيراً من نظريات الفلاسفة فيه قد كان تفسيراً لنصوص دينية ؟ وعلم الفيزياء من دراسة طبيعة الكون .
هل علم الفلك الذي برز فيه المسلمون قد كان مجرد تفسير لنصوص دينية؟ وهذا العلم من دراسة طبيعة الكون .
هل علم التاريخ والجغرافيا لم يكونا غير تفسير لنصوص دينية ؟ وهما من دراسة طبيعة الأرض وتاريخ الإنسان .
هل علما الطب الذي أبدع فيه المسلمون قد كان مجرد تفسيرات لنصوص دينية؟ وهو من دراسة طبيعة الإنسان وحياته.
هل علم الرياضيات العقلية(الحساب – الجبر – الهندسة) وغيره من العلوم التجريبية والاستدلالية والخبرية والعقلية البحتة قد كانت عند المسلمين مجرد تفسيرات لنصوص دينية واردة في مجالاتها؟
لو أن المسلمين اقتصروا في كل هذه العلوم على مجرد تفسير النصوص الدينية – كما زعم الناقد في فريته – لما تجاوزت معارفهم فيها بعض القواعد الكلية العامة جداً ، ولا شك أن ما تدل عليه النصوص الدينية يمثل لدى المسلمين مصدراً من مصادر المعرفة ، ولكنه ليس كل مصادر المعرفة ، لأن النصوص الدينية في هذه المجالات قد أرشدت ووجهت للبحث ، وقدمت بعض قواعد هذه المعرفة ، لكنها لم تتبنَّ التعريف المباشر بكل قواعد هذه العلوم ، أما المهمة الأولى والأساسية للنصوص الدينية فهي التعريف بالدين ، مبادئه وعقائده وتشريعاته للسلوك الإنساني الفردي والجماعي .
ولما وجد المسلمون الدفع الإسلامي إلى دراسة الكون ، واستنباط المعارف والعلوم عن طريق الملاحظة والتجربة والاستدلال ، انطلقوا باحثين في شتى مجالات المعرفة التي تيسرت لهم إبان نهضتهم ، قبل أن تثبطهم فترة الركود التي أصابتهم بهجرهم لتعاليم الإسلام ، وإخلادهم إلى الراحة والكسل ، والاستغراق في الشهوات , ورضاهم بأمجاد الماضي ، إضافة إلى عوامل أخرى خارجية عنهم ، أوقفت عجلة تقدمهم .
فما افتراه (د. العظم) على المنهج الإسلامي هراء ظاهر صنعته المغالطة التعميمية ، ولكشف زيفه وافتراءاته نفصل منهج الإسلام للوصول إلى المعرفة .