عرض المقال :جدليات الكافرين
  الصفحة الرئيسية » مـقـالات الموقـــع » الرد على شبهات حول الإسلام » الرد على الشبهات العقلانية للملاحدة

اسم المقال : جدليات الكافرين
كاتب المقال: الحقيقة

جدليات الكافرين

من كتاب :

      صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

      تأليف

      عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان

 

 

          ( أ ) الجدال بالباطل إحدى صفات الكافرين الكبرى:

          وقد وصف الله الكافرين بأنهم يجادلون بالباطل ليُدحضوا به الحق ، أي : ليزيلوا به الحق من مواقع ثباته واستقراره في العقول والنفوس ، كما هو مستقر وثابت في الواقع والحقيقة ، فقال تعالى في سورة (الكهف/18 مصحف/96 نزول):

          {وَيُجَادِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً}

 

          إنهم لا يقتصرون على الجدال بالباطل ، بل يضيفون إليه عمليات الهزء والسخرية لتغطية فساد أسلحتهم التي يستعملونها في الجدال .

 

          والجدال بالباطل صفة ملازمة للكافرين في كل عصر ، قال الله تعالى في سورة (غافر/40 مصحف/60 نزول):

          {مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ * كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}

 

          فالذين كفروا من قوم نوح والذين كفروا من بعد قوم نوح إلى مشركي قريش وكفار أهل الكتاب إلى غيرهم كل أولئك قد جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، ولذلك أعطى الله الكافرين هذا الوصف ، وجعله وصفاً مستمراً في كل الكافرين ، ومتجدداً ما تجدد في الناس كفر .

 

          وهذا شيء طبيعي فيهم ما داموا ملتزمين جانب الباطل ،إنهم يريدون أن يبرروا سلوكهم ، ويدعموا آراءهم ومذاهبهم بأية وسيلة ، لكن شيئاً من الحق لا ينصرهم ولا يدعم ما هم فيه ، ولا يبرر سلوكهم ، فاقتضى واقع حالهم أن يزينوا الباطل ويزخرفوه ويجادلوا به ، ليدحضوا به الحق القوي الثابت .

 

          ومرض نفوسهم آتٍ من قبل داء الكبر ، إنهم يستكبرون عن أن يعترفوا بالحق ، وهم ملتزمون جانب الباطل بتأثير أهوائهم ، ويجادلون بالباطل المزخرف ، ليعطوا أنفهسم صورة الكمال بين الناس ،وليُغَشُّوا على بصائرهم حتى لا تنزل مكانتهم في نفوسهم ، وهذا ما نبه الله عليه بقوله تعالى في سورة (غافر/40 مصحف/60 نزول):

          {ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}

 

          فهؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ، أي : بغير حق ولا حجة منه ، هم من المتكبرين الجبابرة ، الذين طبع الله على قلوبهم ، إذ حجبوها عن رؤية الخير والهدى ، بما جمعوا في نفوسهم من كبر متجبر .

 

          ولما أكثر الكافرون على الرسول محمد من جدلياتهم الباطلة كشف الله له داء نفوسهم هذا ، وأمره بأن يستعيذ به ، ليقوى على الصبر عليهم ، وليفتح الله له من الحجج ما يدمغهم ، فقال الله له في سورة (غافر/40 مصحف/60 نزول):

          {فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ * إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ}

 

          أي: ما في صدورهم من كبر ناشئ عن أوهامهم حول أنفسهم لم يكونوا ليبلغوه في واقع حالهم ، فهم يجادلون بغيرسلطان أتاهم ، والأمر الخطير أنهم يجادلون في آيات الله .

 

          وحينما يجادل الكافرون يذهبون مذاهب متهافتة شتى ، ويخبطون بغير علم خبط عشواء ، ويقررون أموراً باطلة ، ويلجؤون إلى الكذب تارة ، وإلى المراوغة تارة أخرى ، ويغالطون في الحقائق بالتعميم أو بالتخصيص أو بالحذف أو بالإضافة أو بالتمويه والإيهام ، أو بنحو ذلك ، ونجد الإشارة إلى ذلك في قول الله تعالى في سورة (غافر/40 مصحف/60 نزول):

          {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ}

 

          أي: فهم يصرفون إلى سبل شتى من سبل الباطل والزيغ ، ويتعلقون في جدالهم بما ليس فيه حجة مقبولة .

 

          والعجيب في الأمر أن الكافرين يجادلون في الله وفي آيات الله دون أن يكون لهم سند من علم صحيح ، أو من عقل منطقي سليم .

 

          وهم قسمان: أتباع وقادة .

 

          أما الأتباع فقد ذكرهم الله بقوله في سورة (الحج/22 مصحف/103 نزول):

          {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }.

 

          فهؤلاء يجادلون في الله بغير علم ، ويتبعون في جدالهم القادة الشياطين المردة ، الذين يضلونهم ويسوقونهم إلى عذاب النار .

 

          وأما القادة فقد ذكرهم الله بقوله في سورة (الحج/22 مصحف/103 نزول):

          {ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ}

 

          فهؤلاء يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ، وهم يستكبرون بين الناس متعالين بموقفهم القيادي ، ويعرضون إعراض كبر وترفع ،ليحافظوا على منزلتهم في نفوس أتباعهم وفي نفوس الآخرين ، ويزيد ذلك حينما تنكشف أو تبدأ تنكشف ثغرات الضعف في حججهم التي يسوقونها ، فيلاحظ أن أحدهم كلما شعر بضعف موقفه في النقاش ثنى عطفه استكباراً ليضل عن سبيل الله ، ومن أجل ذلك كان له عند الله عقابان ، فله في الدنيا خزي ، وله في الآخرة عذاب الحريق .

 

          أمام هذا الواقع الذي عليه الكافرون اقتضت ضرورة حماية الدعوة وتثبيتها وتأييدها مقارعة السلاح بنظيره . فكان على المؤمنين أن يقاوموا الجدال بالجدال ، ويقارعوا الحجة بالحجة ، ويدحضوا الباطل بالحق ، ولكن جدال المؤمنين يجب أن يكون جدالاً بالتي هي أحسن ، وهذا ما أمر الله به رسوله إذ قال له في سورة (النحل/16 مصحف/70 نزول):

          {ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ}

 

          وما خوطب به الرسول فهو خطاب عام لكل المؤمنين ما لم يكن من خصوصيات الرسول بدليل خاص .

 

          (ب) أصول جدليات الكافرين حول الحقائق الدينية:

          لقد جادل الكافرون في قضية الإيمان الكبرى : في قضية التوحيد ، في قضية الرسول والرسالة ،في قضية الإيمان باليوم الآخر ، في قضية الكتاب المنزل من عند الله ، في قضية القضاء والقدر ، إلى غير ذلك .

 

          وكانت جدلياتهم في كل ذلك تعتمد على ما يلي:

          1- الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم ، وظاهر أن هذا ليس بحجة مقبولة عند العقلاء ، لأنه تعبير عن التقليد الأعمى .

 

          2- جحود الحقائق والأدلة الظاهرة بالمكابرة ، والإصرار على اعتبارها من قبيل السحر أو الكذب أو الباطل ، أو أساطير الأولين ، وظاهر أن مثل هذا ليس بحجة ، وإنما هو فرار من الإذعان إلى إطلاق الشتائم وتكذيب للحقائق بالأوهام .

 

          3- الاحتجاج بالاستغراب والاستبعاد ، دون سند من العقل الصحيح ، والاستغراب والاستبعاد حجة مرفوضة ، لأنها تعتمد على عدم الألف للموضوع ، أو أنه لم تسبق فيه مشاهدة حسية ، وليس شيء من ذلك بمقبول منطقياً ، فما كل حقيقة يجب أن تكون مألوفة ، أو يجب أن تسبق فيها مشاهدة حسية للناس ، كلهم أو بعضهم .

 

          4- الاحتجاج بامتياز الكافرين على المؤمنين بوسائل الرفاهية والترف في الحياة ، واعتبار ذلك دليلاً على فساد عقيدة المؤمنين ومنهجهم ، لأنهم لو كانوا على حق لأغناهم الله وزادهم رفاهية وترفاً ، وهذه حجة ساقطة ، لأن أي عاقل يدرك أسس الإيمان وأهداف الحياة الدنيا ، يعلم أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء ، وأن إحدى مواد الامتحان في هذه الحياة الابتلاء بالغنى أو بالفقر ، بحسب حالة كل إنسان ، وأن الابتلاء بالغنى ليس تكريماً ، وأن الابتلاء بالفقر ليس بإهانة ، حتى إذا انتهت فترة الامتحان وجاء دور الجزاء الأكبر في الأخوة ، ظهر تمييز المؤمنين على الكافرين ، فللمؤمنين دار النعيم الخالد ، وللكافرين دار الشقاء الأبدي .

 

          5- الاحتجاج بتعللات القضاء والقدر ، وفق المفاهيم الجبرية المرفوضة في الدين ، وظاهر أن مثل هذا ليس بحجة أصلاً ، ما دام الدين – الذي هو مصدره الوحيد –يرفضه ولا يقبله ، وذلك لأن مفاهيم القضاء والقدر الصحيحة إنما نأخذها على الدين ، فمن تعلل بعلة دينية يرفضه الدين نفسه ، فقد كذَّب على الدين ليحتج عليه بما ليس فيه ولا منه .

 

          6- جدال لا أساس له إلا الكبر الطبقي ، كقول الكافرين عن فقراء المؤمنين: "لو كان خيراً ما سبقونا إليه" وهذه حجة مضحكة للعقلاء ، وقد زينها في أذهانهم اغترارهم بأنفسهم واستكبارها بما لديهم من متاع الحياة الدنيا .

 

          7- اللجوء إلى عمليات الصد عن استماع الحق ، والشتائم الهزء والسخرية ونحو ذلك ، مما يفعله المبطلون حينما تتهاوى حججهم ، وتتساقط أدلتهم ، وينقطعون فلا يستطيعون مجاراة الفكر بالفكر ، والحجة بالحجة ، والبرهان بالبرهان .

 

          ( ج ) نظرات تفصيلية حول جدلياتهم :

          ونلقي في هذه الفقرة نظرات تفصيلية حول طائفة من جدليات الكافرين في قضايا الإيمان الكبرى ، لنتبين مدى ما هم فيه من سقوط فكري فاضح حينما يعالجون قضايا تتعلق بعقائدهم ومناهجهم في الحياة ، مخالفين فيها حقائق الدين وشرائعه .

 

          * جدالهم حول قضية التوحيد :

          لقد جادلت عاد قوم هود رسولهم هوداً عليه السلام في آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، مع أن معبوداتهم هذه لا تزيد في واقع حالها على أنها أسماء سموها هم وآباؤهم ، لا يؤيد استحقاقها للعبادة سند من علم أو عقل ، ولا سلطان من دين صحيح ، وقد حكى الهل جدالهم لهود عليه السلام في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول):

          {قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ}

 

          فهم قد اخترعوا من عند أنفسهم أسماء وجعلوها آلهة يعبدونها ، وجادلوا فيها بغير قاعدة علمية ، واكتفوا بحجة التقليد الأعمى .

 

          وجادل كفار قريش رسول الله محمداً صلوات الله عليه في قضية التوحيد ، ولم يكن لهم حجة إلا التعجب من جعل الآلهة إلهاً واحداً ، واتهام الرسول بالاختلاف والافتراء على الله ، وقد وصف الله حالهم ومقالتهم في سورة (ص/38 مصحف/38 نزول) فقال تعالى:

          {وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ منْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ}

 

          وليس في تعجبهم ولا في اتهام الرسول بالاختلاق حجة مقبولة عند العقلاء ، فالتعجب لا ترفض به الحقائق ، والاتهام بالكذب والاختلاق لا يمثل حجة ذات وزن مطلقاً لدى العقول السليمة ، باستطاعة أي إنسان أن يتهم كل الناس بالكذب والاختلاق ، وأن يطلق كلمة الباطل على أية حقيقة ، ولكن هذا شأن الذين لا يحترمون نفوسهم وعقولهم .

اضيف بواسطة :   admin       رتبته (   الادارة )
التقييم: 1 /5 ( 1 صوت )

تاريخ الاضافة: 26-11-2009

الزوار: 3991


المقالات المتشابهة
المقال السابقة
موقف الكافرين من المؤمنين
المقالات المتشابهة
المقال التالية
جدالهم في قضية الرسول والرسالة
جديد قسم مـقـالات الموقـــع
القائمة الرئيسية
البحث
البحث في
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك