| اسم المقال : الحائر الصغير يفكر | كاتب المقال: |
الحائر الصغير يفكر
كتبها: رسل لويل مكستر
أستاذ علم الحيوان
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الينوى – أستاذ علم الحيوان ورئيس القسم بكلية
هويتن – عضو الجمعية العلمية بالينوى – رئيس المؤسسة العلمية من سنة 1951 إلى سنة
1954 – متخصص في دراسة الأنسجة والعناكب والتطور.
يعرف الانسان ربه لأول مرة عن طريق والديه، فهما يستخدمان لفظ الجلالة بكل
تقديس، وبذلك يتعلم الطفل منذ صغره ان يلجأ إلى الله بطريقته البسيطة، وان يسأله
ان يقتضي له حوائجه بنفس الطريقة التي يلجأ بها إلى أبيه، ويكون الطفل في هذه
المرحلة راضيا ومطمئنا إلى ربه الذي لا يراه.
__________
(1) - يرى فريق من العلماء المعاصرين ان استخدام لفظ المصادفة هو تخلص من تفسير
الظاهرة او الأمر الذي حدث تفسيرا طبيعيا، وعلة ذلك اننا لم نصل بعد إلى تلك
التغيرات الطبيعية.
ثم يكبر الطفل ويقرأ في الكتب قصص المؤمنين الذين ساروا في طريق الله. فكان في
ذلك نجاة لهم من الوحوش، وبرد وسلام عليهم من النار، ومنجاة من ضرب السيوف، وقوة
من ضعف، وتأييد في مواقف القتال. وكم يستولي على الطفل الإعجاب ببطولة هؤلاء
المؤمنين، وكم تتوق نفسه إلى الاقتداء بهم واتخاذهم أسوة له في حياته. انه يرى ان
ذلك يعينه على صيانة الامانة، ويشعر ان له رفاقا من الماضي يشدون أزره، ويقوون
عزيمته ويبثون الشجاعة في نفسه على مدى الحياة.
فاذا دخل الطفل المدرسة جذبته في اتجاهين متعارضين: فهي من جهة تقوي ايمانه بالله،
وهي من جهة أخرى تضعف ايمانه به. وهو يتعلم ان بلاده تتألف من جماعات كثيرة بينها
مصالح مشتركة، ويقود كل جماعة من هذه الجماعات رئيس او زعيم، ويسيطر على جميع
هؤلاء الرؤساء قائد كبير يفرض الأمور على الناس، وعلى الناس جميعا ان يطيعوا
أوامره.
ويتصور الطفل الإله المسيطر على هذا الكون في صورة الرئيس من حيث سلطته التي
يفرضها على الآخرين. ولماذا كان من الطبيعي ان يكون للناس قائد يدبر أمورهم فلا بد
ان يكون لهذا الكون مدبر يدبره ويفرض سلطانه على جميع البشر والكائنات.
ومن جهة اخرى فانه اذا كان الناس ينتخبون رئيسهم، فان فكرة وجود الله بالنسبة إلى
هذا التلميذ الصغير قد لا تعدو ان تكون مجرد صورة ذهنية تجول في عقول الناس.
وكثيرا ما تستولي الحيرة على عقل هذا الطفل فيتساءل: ترى هل يوجد اله حقيقة؟ وذا
كان يوجد فما كنهه وما صورته؟ وعندما يصل الطفل إلى هذه المرحلة من الشك والوساوس،
كثيرا ما يطرح تفكيره العقلي في الله جانبا، وقد يسلم بوجوده استسلاما، وقد يطلب
إلى أصدقائه ان يبتعدوا عن الحديث في هذا الموضوع حتى لا يثيروا قلقه، وعندئذ يصير
الطفل تائها حائرا. فهو يؤمن بوجود الله لانه يشعر انه يجب عليه ان يكون مؤمنا،
وهو في الوقت ذاته لا يحب ان يعبث عقله بايمانه.
ويقرأ الطفل احد الكتب المقدسة، ويجد ان الانسان يستطيع ان يصل إلى الله
باستخدام عقله، وانه لابد ان يقوم الايمان بالله على أساس المنطق والتفكير، وعندئذ
يجد صاحبنا في البحث والدراسة، وقد يتحول من الحائر الصغير إلى المؤمن الكبير
فتنسجم روحه مع عقله ويدرك كمال الله وحكمته.
ان عمل كاتب هذا المقال يجعله وثيق الصلة بالطبيعة وبالإله الذي يسيطر عليها. وليس
من المنطق ان يفصل الانسان بين الاثنين. انني أرى انواعا عديدة من النباتات
والحيوانات الحية التي عاشت على سطح هذه الأرض والتي يبلغ عددها الملايين، وانا
اعني هنا الأنواع لا الأفراد، فعدد الأفراد يبلغ أرقاما خيالية تشبه الارقام التي
تستخدم في عمل الفلك. فهل هنالك نظام تخضع له هذه الأنواع المختلفة؟ نعم هنالك
نظام حيثما اتجهنا. فكل نوع من هذه الأنواع ينقسم إلى فصائل، وتنقسم الفصائل
بدورها إلى أقسام اصغر فأصغر. ولكننا مهما قسمنا نجد ان هنالك صفات مشتركة بين
جميع الافراد التي تنتسب إلى نوع من هذه الأنواع ينقسم إلى فصائل، وتنقسم الفصائل
بدورها إلى أقسام أصغر فأصغر. ولكننا مهما قسمنا نجد ان هنالك صفات مشتركة بين
جميع الأفراد التي تنتسب إلى نوع واحد او صنف واحد. فاذا نظرنا إلى أحد الطيور
التي تسمى نقارة الخشب، فاننا نجدها جميعا قد بنيت على طراز واحد، وقد تتشابه مع
غيرها من الطيور بقدر وتختلف عنها بقدر. وهنالك صفات مشتركة بين جميع الفصائل
والأنواع الحيوانية الموجودة في الطبيعة بأسرها فهي تشترك جميعا في اللحم او في
البروتوبلازم. ويعد ذلك في نفسه دليلا على ان وراء كل ذلك التنظيم خالقا مدبرا هو
الذي خلق المادة الأساسية فيها وأودع فيها من القوة والتوجيه ما جعلها تتخذ هذه
الصور التي لا تحصى من الأفراد والأصناف والأنواع والأجناس.
ان المنطق السليم يدفعنا إلى التسليم بوجود عقل مقدس هو الذي خلق ودبر تلك
الاختلافات(1) والاتفاقات التي نتحدث عنها، بدلا من ان يجعلنا نتصور ان تلك
الأنواع المختلفة من الكائنات الحية والأجناس قد ظهرت بمحض المصادفة التي أدت إلى
اتحاد بعض العناصر تحت ظروف البيئة.
ان المنطق السليم الذي يجعلنا نلاحظ ان الانسان يستطيع ان يقوم بامور معقدة، هو
نفس المنطق الذي يجعلنا نعتقد بوجود خالق عظيم هو الذي أبدع كل هذه الكائنات.
ومهما بلغت الاختلافات بين أفراد النوع الواحد او بين الأنواع الحالية التي عاشت
في اقدم العصور الجيولوجية، سواء منها ما اندثر او ما يزال حيا، فان الانسان لا
يستطيع الا ان يسلم بان هذه الكائنات جميعا قد بدأت على هيئة مخلوقات متلائمة-
مخلوقات من صنع الخالق الكبير – فاذا قرأنا في الكتب المقدسة ان الله تعالى خلق
الانسان والحيوان والنبات، فاننا نستطيع حينئذ ان نصدق ذلك لان ما نراه في الطبيعة
يتفق مع هذا القول، ومع ذلك فان الكتب المقدسة ليست من كتب العلوم، الا أنها تمس
المبادئ الاساسية للعلوم وتشير اليها(2). والحقيقة التي لا أشك فيها، والتي لا
تستطيع النظريات المادية ان تنتقص منها، هي ان الإله الذي يصل اليه الانسان بفكره
ودراسته لهذا الكون هو نفس الإله الذي تتحدث عنه الكتب السماوية.
انه إله الكتب المقدسة الذي تتجلى أياديه في الجبال والسماء والبحار، وتتجلى قدرته
في المراعي النضرة والطيور السابحة في جو الأرض وفي سائر الكائنات.
__________
(1) - ينبه القرآن إلى حكمة اختلاف أجناس البشر بالذات وتباين لغاتهم في مواضع
عديدة منها: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم ان ذلك لآيات
للعالمين) سورة الروم، آية: 22.
(2) يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. )
سورة الحجرات، آية: 12.
- انظر إلى ما جاء في القرآن كقوله تعالى: (وأرسلنا الرياح لواقح). الا تمس هذه
الآية موضوع التلقيح في عالم النباتات الزهرية؟ وهل كان محمد عليه السلام من
المشتغلين بعلوم النبات؟
| اضيف بواسطة : | admin | رتبته ( | الادارة ) |
| | تاريخ الاضافة: 18-09-2010 | الزوار: 4246 | | | | |
| |
|