فسيره روح المعاني3/179: ( والصحيح كما قاله القرطبي أن الله تعالى رفعه من غير وفاة ولا نوم، وهو اختيار الطبري والرواية الصحيحة عن ابن عباس ).
هذا وقد أحالوا إلى آخرين من مفكري العصر الحديث، أشك في نسبة ما ذكروا إليهم، وقد جُرب على القاديانيين الكذب الكثير، ولا حاجة إلى بذل الجهد في تتبع ذلك؛ لأنه لو ثبتت صحة ما نسبوا إليهم فإنهم ليسوا من الأئمة الذين يُرجع إليهم في مثل هذه القضايا، وهكذا طريقة أهل الأهواء إذا أعيتهم الحيل ذهبوا يبحثون في ركام الزلات وعند خاملي الذِّكر لعلهم يجدون عندهم ما يسند بناءهم المتهدم.
وإني سائل سؤالا أدع إجابته للقاديانيين وحدهم: إن بعض من سميتم وزعمتم أنهم قائلون بموت المسيح عليه السلام قد أدركوا زمن القادياني المتنبئ الكذاب، فماذا كان رأيهم فيه؟ هل كانوا يرونه المسيح والمهدي كما تزعمون؟ أم كانوا يرونه كذابا ضالا كافرا؟ وليتذكروا أنهم وصفوهم بأنهم من علماء الأمة ! أجزم أنهم يعلمون الجواب علم اليقين.
جاء في الرسالة ص6 : ( واعلموا أن أكثر الأحاديث الواردة في شأن الدجال ونزول المسيح ابن مريم وعلامات ظهوره إنما هي كشوف ورؤى للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن تحمل على ظاهرها، وأكثرها تتطلب التأويل، ولفظ ( ابن مريم ) الوارد في الحديث إنما هو اسم وصفي أُطلق على رجل تقي مؤمن، كما استعمل اسم ( امرأة فرعون ) و( مريم بنت عمران ) وصفا لكل مؤمن في القرآن المجيد ) .
أقول: إنني لا أرى أن اجتراء هؤلاء على افتراء الكذب على الله أمرا غريبا؛ فالشيء من معدنه لا يُستغرب، وإنما العجب من عقول القطعان الجاهلة التي أسلست قيادها لهؤلاء الضالين، وتلقت هذا الإفك بالقبول، وصدق الله: ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) .
إن مجرد نقل هذا الكلام كاف في إفساده.
لو سُلم جدلا أن أكثر الأحاديث الواردة في هذا الموضوع إنما هي كشوف ورؤى؛ أليست رؤى الأنبياء وحي؟ أو أنهم لا يؤمنون بذلك؟! وماذا عن القليل - الذي هو سوى الأكثر - ما حاله عندهم؟
وإذا كان أكثر الأحاديث يتطلب التأويل، فكيف سيصنعون بأقلها؟
لقد اتضح لأهل الإيمان أن النصوص الشرعية أصبحت نهبا عند هؤلاء النوكى؛ فيحورون ويؤولون، ويصرفون ويبدلون كما يشاؤون؛ فابن مريم في الحديث ليس النبي المعروف، وامرأة فرعون ومريم بنت عمران وصف لكل مؤمن !
وعلى هذه القاعدة التي يُصرف بها عن معناه كل ما لا يوافق الأهواء يمكن أن يقال: إن النصوص الواردة في الصلاة ليس المقصود بها الصلاة المعروفة وإنما شيء آخر، وكذا نصوص الزكاة والصوم، أما الحج فليس على ظاهره، ونصوص المعاد لا يراد بها حقيقتها، بل النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يُراد بكل النصوص التي ورد فيها ذكر اسمه ذاته الشريفة، وإنما يراد ببعضها رجل صالح من أمته ! .. وهكذا أصبح الإسلام وأدلته ألعوبة بأيدي القاديانية الأحمدية، فقاتلهم الله أنى يؤفكون .
ثم جاء في خلاصة تلك الرسالة المتهافتة ص6: ) فالمراد من نزول عيسى بن مريم بعثة رجل آخر من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم يشبه عيسى بن مريم في صفاته وأعماله وحالاته، وقد ظهر هذا الموعود في قاديان الهند باسم ميرزا غلام أحمد إماما مهديا، وجعله الله مثيل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فكان هو المسيح الموعود والإمام المهدي للأمة المحمدية ... ) إلى آخر ذاك الهراء .
ولا أظن أني بحاجة إلى رد هذا الكلام الساقط، وقد بين كثير من العلماء كذب هذا الأفاك الأثيم في دعواه، وكذب أتباعه من بعده، ومن تلك المؤلفات الحسنة كتاب: القاديانية للشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله .
لكني سأذكر باختصار لمن هو مرتاب في أمره: لقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله علي وسلم بأوصاف عيسى عليه السلام عند نزوله، فهل انطبق منها حرف واحد على كذاب قاديان؟ هل نزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين ملَكين؟ هل مات كل كافر وَجد ريح نَفَسه؟ هل قتل الدجال؟ هل كسر الصليب؟ هل كان حاكما عادلا؟ هل قتل الخنزير؟ هل جمع الناس على دين واحد هو دين الإسلام؟ هل كثر المال في عهده؟ هل وقعت الأمنة في الأرض؟ هل حج بعد نزوله؟ هل هل ... أسئلة كثيرة أطرحها لمن كان فيه أدنى مسكة من عقل أو جذوة من إيمان.
وإلى هنا انتهى ما أردت التعليق عليه باختصار، وإن كان التتبع التام لما في الرسالة يحتاج إلى بسط أكثر، ولعل في هذه العجالة ما تحصل به الكفاية.
اللهم إنا نسألك الهداية والسداد، والثبات في الأمر، وأن تنور بصائرنا وتشرح صدورنا، كما نسألك أن تعجل بهلاك أعداء الدين، الضالين المضلين، وتريح المسلمين من شرهم، وأن تجعل دائرة السوء عليهم، إنك على كل شيء قدير، وإني ربي على صراط المستقيم.
والحمد لله رب العالمين .
كتبه
أبو محمد صالح بن عبد العزيز السندي
المحاضر بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية