من هذا المدخل أود أن أبين أن ( الجنة والنار - الجحيم - الهاوية - هنّوم ) في المصادر المسيحية ، يجب أن تعامل على أساس كلمات رمزية تعني أمور فوق ما يتباد للأذهان .
جاء في كتاب ( قاموس الكتاب المقدس ) :
* ( الهاوية ) :
( معناه في الأصل مكان الأموات وهي ترجمة كلمة شئول العبرانية ، وشئول موضوع مجهول آمن الساميون على مختلف شعوبهم بوجوده ، واعتبروه عالما قائما بذاته وقد اعطى الكتاب المقدس بعض صفات الهواية ، فهي تحت الأرض ، وهي مظلمة ، وهي عميقة .. في العهد الجديد اعطيت الهاوية معنى جنهم ، أي أرض اللعنات والرجاسات ، وسكان العذاب الأبدي ، وسكان العقاب للخطاة ) ( ص 1007) .
* ( هنّوم ) :
( وادي ومزبلة القدس ، ومن هنا ولدت كلمة جهنم ، حيث البكاء وصرير الأسنان ، وحيث النار البدية والعقاب الدائم للخطاة ) ( ص 1003) .
وجاء في كتاب ( كفارة المسيح ) يقول القس ( عوض سمعان ) :
( كلمة جنهم مشتقة من كلمة " جي هنوم " أو وادي هنوم الذي كانت تحرق فيه الضحايا البشرية كل يوم قربانا للوثن مولك ، وكانت من لا تصيبه النار من هذه الضحايا يصبح مسرحا للدود ، فاتخذ الوحي اسم " جي هنوم " الذي يعرفه الناس وأطلقه على مكان عذاب الأشرار البدي الذي لا يعرفونه ، وجهنم هي الهاوية ) ( ص 42 ) .
وللوهلة الأولى يظن القارئ الكريم أن النصارى متفقون على كون الهاوية هي جهنم ، ولكن الحقيقة غير ذلك فهم مختلفون جدا ، فهل الهاوية هي جهنم ؟ أم هي الموت الثاني ؟ أم هي المطهر ؟
خلاف طويل عريض ، لم يكن السبب فيه غيرغموض وتناقض النصوص في شرح تلك المفاهيم التي سمينها أسرار وطلاسم .
في كتاب ( مدخل إلى الإيمان المسيحي ) يقول العالم ( جوزيف راتسنجر ) :
( ونزل إلى الحجيم ... نصوص صعبة على الفهم ، بحيث تدفع إلى تفسيرات متباينة ، فإذا محونا كليا ونهائيا ، هذا الإثبات ، فإننا نكسب ظاهريا ، تخلصنا من مسالة غريبة ، يصعب علينا أن ندرجها في طبقة من طبقات تفكيرنا دون أن نخون مصداقيتنا خيانة عظمى ( ص 214) .
ولكنك تجد في كتاب آخر المسألة في غاية الوضوح وكانها لا أشكال فيها نهايئا !
ففي كتاب ( من حقائق الإيمان الأساسية ) للكاتب ( ناشد حنا ) :
( حالة الأرواح بعد مفارقتها الأجساد : أوضح الرب له المجد في كلامه عن الغني ولعازر أن أوراح المؤمنين عند رقاد أجسادهم تحملها الملائكة إلى مكان سعيد ، فيه تتعزى وتنعم مع أرواح المؤمنين السابقين ، وأن أرواح الأشرار تنزل إلى الهاوية حيث تتعذب في اللهيب .
وقد اوضح لنا الرب له المجد أن مكان نعيم أرواح الأبرار اسمه الفردوس ... أما أرواح الأشرار فإنها تذهب إلى هاوية العذاب التي يطلق عليها بطرس " السجن " .. ثم الطرح في بحيرة النار حيث يعذب الأشرار بأرواحهم وأجسادهم إلى أبد الآبدين .. المقر الدائم للاشرار هو بحيرة النار )
( ص 71 - 72 ) .
ونحن هنا إزاء نص واضح وجيد لماهية النار وماهية الجنة ، ولكننا نجد أن الأمر ليس كما توهم الكاتب ( ناشد يوحنا ) فليست النار فعلا وحقيقة بحيرة نار وكبريت !
ففي كتاب ( كفارة المسيح ) يقول القس ( عوض سمعان ) :
( إن الموت الأبدي هو المعبر عنه في الكتاب المقدس بالموت الثاني ، أو العذاب البدي ، وهو قصاص لا نهاية لمدته ، لأن الخطيئة كما مر بنا هي جريمة ضد الله الذي لا نهاية لمجده ، ولا حد لسموه ، لذلبك قال الوحي عن الشرار إن نصيبهم هو " البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني " وهذه البحيرة هي جهنم التي لا تطفأ نارها ولا يموت دودها ، والنار هنا ليست طبعا نارا مادية لأن المادة هي خصائص الرض وغيرها من الأجرام ... كما أن الدود الوارد ذكره مع جهنم ليس دودا بالمعنى الحرفي ، إذ المراد به وخزات الضمير وتأنيباته اللاذعة ) ( ص 41) .
ويوضح أكثر حقيقة جهنم فيقول :
( إن الخطاة مهما قلت خطاياهم قد أساءوا إلى الله ، كما ابعدوا أنفسهم عن التوافق معه ، ولذلك لا جدال أنهم جميعا سيقضون ابدية بعيدا عنه ، والبعد عن الله مهما كان شأنه هو جهنم بعينها ، لأنه لا هنا إلا بالوجود في حضرة الله والتوافق معه .. إن الضمير سيكون مصدرا من مصادر العذاب الأبدي ) ( ص 44 ) .
وجاء في كتاب ( فرح الإيمان بهجة الحياة ) للأب ( فرنسوا فاريون اليسوعي ) :
( إن الانزعاج الذي يشعر به المسيحيون أمام ما يطلق عليه التعليم المسيحي اسم جهنم بلغ في أيامنا حدا بعيدا ، حتى إن الكلام عليه انقطع في الواقع ، أو كاد ينقطع ، قد يكون السكوت أفضل من تعليق يخشى أن يغذي وجوها قديمة مستعصية من سوء التفاهم .. إن رفض جهنم بلا قيد ولا شرط في آخر الأمر إن لم نقل الى رفض الله والانسان ، فعلى الأقل الى تشويه الله والانسان والمحبة ) .
ويتابع قوله :
( في اللغة المسيحية ، نتكلم على مثوى الأموات وعلى جهنم ، فنقول إن المسيح نزل إلى مثوى الأموات من جهة ، وأن الهالك يزل إلى جهنم من جهة أخرى ، كل من مثوى الأموات وجهنم هو مملكة الموت .. أرضا تحت ارضنا ، مكان ظلام وتراب ووحل ، ينزل إليه الأموات عراة ، ولا يصعد منه أحد ، وينضم فيه الإنسان إلى آبائه ويحيا فيه حياة الظل الكئيبة المحدودة ، حياة لا يحسد عليها على الاطلاق ، بسبب غياب الله ) .
ثم يجيب الأب ( فرنسوا فاريون اليسوعي ) عن حقيقة مفهوم جهنم فيقول :
( جهنم الوحشة المطلقة مأساة حياتنا هي أن الإنسان يشعر في عمق أعماق نفسه ، بأنه وحيد لكنه لا يستطيع احتمال هذه الوحشة ..كان الموت جهنم فلم يعد جهنم ، فإن الحياة أصبحت في قلب الموت .. اصبحت جهنم بعد الآن شيء آخر إنها موت ثان لا الموت الذي نعرفه ) ( ص 201 - 205) .
ثم بعد ذلك يعرض لصور جهنم في الكتاب المقدس من نار وكبريت ودود .. وكأنها صور صبيانية ويحث المسيحيين على التعامل معها بذكاء وعمق .
وفي كتاب ( حقائق أساسية في الإيمان المسيحي ) للقس ( فايز فارس ) نجده يطرح خمس مصطلحات :
- لمبوس الأباء .
- لمبوس الطفال .
- المطهر .
- جهنم .
- السماء .
وتزداد المسألة تعقيدا وغموضا !
وفي كتاب ( المسيحية عقيدة وحياة وعمل ) للكاردينال ( بولس مارلا ) يشير إلى كلمات مثل فردوس وحجيم وهلاك أبدي ، ويرى الوقوف عند معطيات الوحي دون معرفة كنهها وحقيقتها ، ويطالب بأن لا يرفض الكلام فيها .
* مما سبق يتبين لنا غموض العقائد المسيحية وأنها أسرار ، وأن رجال الدين النصارى يخالف بعضهم بعضا ، وأننا حين نستقرأ عقيدة النصارى في الجنة والنار ، نرى ميل واضح لتغليب الجانب الروحي في النعيم والعذاب ، بل قد يكون كليا في ذلك .
( بحث فرعي لطبيعة الأسرار ومكانتها في العقائد المسيحية )
جاء في كتاب ( منطق الثالوث ) الأب ( هنري بولاد اليسوعي ) :
( الثالوث الأقدس بالغ الأهمية في الإيمان المسيحي ذلك بأن أكثر الأسئلة وأحرجها هي فيه..)
( ص 5) .
ويقول : ( الثالوث الأقدس سر الله ..كيف يستطيع الإنسان المحدود -كلام مرفوض- بعقله المحدود أن يضع في ميزان عقله سر الثالوث الأقدس الذي هو سر الله) ( ص 8 ) .
ويكمل القس الأب ويقول:
( حين نصل إلى مستوى الإيمان نقول: قف! لا تستخدم عقلك لإن في استخدامه لخطرا ) ( ص 10)
ويقول أيضا : ( إن الروح القدس ..شخصيةغامضة وشبه متناقضة!... وعندما يحاول الإنسان أن
يتصور الروح يجد نفسه عاجز..) ( ص 36) .
ويقول :
( وهناك نقطة خلاف بين الكاثوليك والأرثذكس بالنسبة إلى انبثاق الروح القدس ....) ( ص39) .
وبعد تكلف الرد يقول: ( حاولنا أن نحلل ما لا يحلل ! وأن نفسر ما لايفسر لنفهم) ( ص40 ) .
* وجاء في كتاب ( سر الله الثالوث) الأب ( فاضل سيداروس ) :
( إن الله الثالوث الأحد سر الأسرار المسيحية..) ( ص7 ) .
( لقد عنونا حديثنا اللاهوتي عن الله بلفظة سر! ...المفهوم الشعبي للسر هو ما لا يفهمه الإنسان.
لما في السر من معنى اللغز والغموض والخفاء!!! إن هذا التعريف هو بالفعل بحسب الفيلسوف
المسيحي GABRILتعريف المسألة) ( ص13) .
ويقول : ( إن الإنسان يعرف الله ولا يعرفه في آن واحد !!) ( ص22) .
وهنا يجب أن يقف الباحث حذرا إزاء المصطلحات الواردة في الكتاب المقدس ، لأنها كلمات بل رموز وأسرار يجب أن تفهم من خلال المنظومة العقائدية المسيحية أو اليهودية .
ملاحظة: الكثير من الإخوة يسأل: أيهما أصح أن نقول المسيحية، أو النصرانية كما وردت تسميتهم في القرآن؟
أقول: يتحرج البعض من تسمية النصارى بالمسيحيين ، ويفضل أن يسميهم نصارى لأمرين :
(1) أن القرآن سماهم نصارى .
(2) أن تسميتهم مسيحيين فيها تزكية لهم لأن فيها نسبة لهم إلى المسيح عليه السلام .
# والجواب عن ذلك كالتالي :
أن تسميتهم بالنصارى أيضا فيه تزكية لهم ، لسببين :
(1) أن التسمية مشتقة من ( الناصرة ) وهي بلدة المسيح .
(2) قيل أنها مشتقة من مناصرة المسيح .
فعلى أي الأمور تكون تزكية لهم . ورأيي أنه في الدراسات العلمية المنهجية (كهذه) لا فرق بينهما. أما في الكتابات الدينية الإسلامية فيفضل التسمية ( بالنصارى ) لأنها هي الواردة في القرآن.
منقول عن موقع الحوار الاسلامى المسيحى