Arial">انه لأمر غريب أن يتخذ النصارى من قيام المسيح باحياء الموتى دليلاً على ألوهيته بينما نجد أن أناجيلهم تخبرنا بأن ، الجموع الكبيرة التي صنع المسيح امامها هذه المعجزة ، وكان من بينهم التلاميذ، لم تكن لتستدعيهم وتدفعهم أن يصفوه بالالوهية وغاية ما في الأمر أنهم شهدوا للمسيح بالنبوة فقط قائلين (( قد قام فينا نبي عظيم )) طبقاً لما جاء في [ 7 : 16 ] من إنجيل لوقا . فالحاصل ان شهود هذه الحادثة الكبيرة والمؤمنين بالمسيح عليه السلام لم يفقدوا صوابهم ليقولوا ان المسيح هو الله أو ابن الله وإنما قالوا : (( قد قام فينا نبي عظيم )) ولم يكن من المسيح إلا ان اقرهم و لم ينكر عليهم وصفهم له بالنبوة !
فلماذا يريد النصارى أن يجعلوا من قيام المسيح بإحياء الميت دليلاً على لاهوته ؟!!
أيها المتصفح الكريم :
انه عندما أحيا المسيح العازر وصنع هذه المعجزة أمام الجموع كما جاء في يوحنا الاصحاح الحادي عشر ، نجد أن غاية ما طلبه المسيح من هذه الجموع بعد قيامه بالمعجزة هي أن يشهدوا له بالرسالة فقط أي أنه رسول من عند الله كباقي الرسل ولنستمع لهذه الغاية التي أعلنها المسيح في [ 11 : 41 ] من إنجيل يوحنا : (( وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ دَوْماً تَسْمَعُ لِي. وَلكِنِّي قُلْتُ هَذَا لأَجْلِ الْجَمْعِ الْوَاقِفِ حَوْلِي لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي ))
فهل بعد هذا يمكن لعاقل أن يتخذ من قيام المسيح بإحياء الموتى دليلاً على ألوهيته ؟
_ وفي مجال مباركة الطعام وتكثيرة : نجد انه قد جاء في الكتاب المقدس عن النبي ( اليشع ) في سفر الملوك الثاني [ 4 : 1 ، 7 ] انه صنع معجزة تكثير الزيت ، والذي يقرأ هذه المعجزة سيجد أن النبي ( أليشع ) لم يرد في خبرها أنه رفع نظره نحو السماء ، ولا أنه بارك وشكر الله كما فعل المسيح ، ومع ذلك فلم يقل أحد أن في أليشع طبيعة لاهوتية مع أن هذه الاعجوبة أبلغ مما وقع للمسيح .
_ وفي مجال خضوع عناصر الطبيعة : سنجد ان الطبيعة قد خضعت لكثيرين وكان منهم النبي أليشع والنبي إيليا ويشوع ، فالذي يقرأ ماجاء في سفر الملوك الثاني [1 : 7 ، 14 ] سيجد أن إيليا أمر عنصر النار التي هي سيدة العناصر فأخضعها وأطاعته بمجرد أمره فنزلت من السماء فلم يكن من ايليا إلا انه أمر فكان .
وجاء في سفر الملوك الثاني [ 2 : 7 ، 8 ] عن إيليا واليشع ما نصه :
(( ووقف كلاهما بجانب الأردن ، وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء ، فانفلق إلي هنا وهناك فعبر كلاهما في اليبس ))
وإنه أمر لا جدال فيه بأن انفلاق الماء الذي وقع معجزة لإيليا واليشع أعظم جداً من هدوئه الذي وقع معجزة للمسيح ومع ذلك فلم يقل أحد إن في إيليا طبيعة لاهوتية .
_ وفي مجال شفاء العمي والبرصى : سنجد أن الكتاب المقدس قد نص على ان هذه المعجزة قد حدثت على يد النبي ( اليشع ) وهذا في سفر الملوك الثاني [ 6 : 14 _ 20 ] والذي يقرأ ما جاء في خبر هذه المعجزة سيجد أن ما فعله أليشع لم يكن بفرد واحد أو باثنين أو بثلاثة بل كان بجيش كبير . ومع هذا لم يقل أحد أن ( اليشع ) فيه نص أو ربع إله !
وقد جاء في سفر الملوك الثاني [ 5 : 1 _ 27 ] أن ( اليشع ) النبي شفى النعمان السرياني من البرص والذي يقرأ الواقعة سيرى أن شفاء نعمان السرياني من برصه ، تم بناء على قول ( اليشع ) النبي : (( اغتسل واطهر ))
_ وفي مجال التنبؤ بأحداث المستقبل : سنجد أن ( اليشع ) قد تم له ذلك وذلك عندما وعد المرأة الشونمية التي لم يكن لها ابن ورجلها قد شاخ (( فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: «فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ سَتَحْضُنِينَ ابْناً بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ. فَقَالَتْ: «لاَ يَاسَيِّدِي رَجُلَ اللهِ. لاَ تَخْدَعْ أَمَتَكَ».َلَكِنَّهَا حَمَلَتْ وَأَنْجَبَتِ ابْناً فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَنْبَأَ بِهِ أَلِيشَعُ. )) وهذا في سفر الملوك الثاني [ 4 : 16 ]
وهناك الكثيرين من الانبياء ممن تنبؤو بالغيب والاحداث المستقبلية ممن ورد أسماؤهم في الكتاب المقدس وقد قاموا بصنع الآيات والمعجزات كالمسيح تماماً مما لا يسع البحث لذكرهم . ومع هذا لم يقل أحد عنهم أن فيهم ولو 25 % من الطبيعة اللاهوتية !
ومع هذا فإننا نقول :
أنه لما كان قد أثبتنا بالادلة الواضحة والبراهين الساطعة ان اعظم معجزة للمسيح وهي احياء الموتى لم تكن دليلاً على ألوهيته فمن باب أولى وأحرى أن تكون بقية معجزاته المنسوبة له في الاناجيل كذلك .
القاعدة التي على النصارى ان يفهموها هي :
إن كل ما فعله المسيح لا يفسره ولا يجسمه إلا قول المسيح نفسه .
1 _ فقد قال مرة :
(( ولست أفعل من نفسي )) [ يوحنا 8 : 28 ]
2 _ وقال مرة أخرى :
(( الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي )) [ يوحنا 10 : 25 ]
والنتيجة التي نخلص منها مما سبق سرده هي :
(( أن المعجزات التي صنعها المسيح والنفوس التي أحياها إنما كانت باسم الله سبحانه وتعالى ، لا باسمه ، فهو لم يعملها بسلطانه ومجده بل بسلطان الله وحده ))
ان الله سبحانه وتعالى يؤيد رسله وأنبياءه بمعجزات خارقه لتكون عوناً لهم في دعواهم النبوة ولأجل أن يصدقهم الناس ويؤمنوا بهم .
ولا يسوغ لعاقل أن يدعي فيهم الالوهية لأنهم أتوا بما عجز عنه الناس بل إن هذا من قبيل ما دعوا الناس إلي الايمان به وكانوا إذا طلبوا دليلاً معجز تضرعوا إلي الله ودعوه كذلك كان يفعل المسيح عليه السلام .
وعلى المسيحي أن يعلم :
ان معجزات المسيح عليه السلام هي معجزات حسية انتهت بانتهاء وقتها فقد كانت تأييداً له في دعوته بالدرجة الأولى وفي نفس الوقت صلاح لحال المجتمع اليهودي من الأمراض والعلل .
وختاماً نهدي المسيحيين هذا الخبر من إنجيل متى :
كتب متى في [ 12 : 38 ] تحت عنوان : معلمي الشريعة والفريسيين يطلبون آية مايلي :
(( وقال له بعض معلمي الشريعة والفريسيين : (( يا معلم ، نريد أن نرى منك آيةً )) . فأجابهم يسوع : (( جيل شرير فاسق يطلب آيةً ، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي ))
تأمل أيها القارىء الكريم في هذا النص ، فهو نص صريح في أن المسيح لم يأت بآية لأنه قال إن ذلك الجيل لن يعطى آية والجيل هو الطبقة المعاصرة من الناس وقد أكد النفي بقوله ( لن يعطى هذا الجيل آية ) ، فلم تكن للمسيح آية بناء على هذا الكلام مطلقاً وكل ما رواه الانجيليون من المعجزات بعد هذا التصريح كرواية تكثير الطعام وشفاء الابرص والمشي على البحر . . . إلخ هي روايات متناقضة مع هذا التصريح على خط مستقيم !
مع ملاحظة أن عبارة المسيح تفيد الحصر بحيث لا يمكن تأويلها حيث قال (( إلا آية يونان النبي )) ( وإلا ) هي أداة تفيد الحصر في اللغة . وقد ذكر لوقا هذا الحصر في إنجيله [ 11 : 29 ] .
إننا ندعو كل مسيحي منصف أن يترك التعصب جانبا و يسمع لنداء الله سبحانه وتعالى إذ يقول :
(( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ))
(( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ )) المائدة 75 ـ 77. صدق الله العظيم