د. محمد سليم العوٌîا يكتب عن أحداث الإسكندرية:
تسائلات عن موقف شيخ الأزهر ولماذا لا يعتذر البابا؟ ہ الجناة الحقيقيون هم الذين أعدوا المسرحية ومثلوها وباركوها وسمحوا بتصويرها وتوزيعها علي الناس
ہ إذا أفلت صناع هذه الفتنة من حكم القانون فانتظروا فتنا تحرق الأخضر واليابس!!
ہ كهنة كنيسة مارجرجس مسئولون مسئولية مباشرة عما جري من عنف أصاب المسلمين والمسيحيين جميعا!!
(1)
يملأ الدنيا المصرية حديث المسرحية التي ألفت وأخرجت وعرضت وصورت في كنيسة مارجرجس، بحي محرم بك بالإسكندرية. والاهتمام بهذه المسرحية ليس لمستواها الفني الراقي، ولا لتميزها من حيث نصها الأدبي، ولا لروعة الأداء أو الإخراج... فهي في هذا كله أشبه بمسرحيات المدارس التي يصنعها الطلاب ويئدونها أمام أهليهم ومدرسيهم، ولا أريد أن أزيد لأن المسألة الفنية ليست موضوع هذا المقال.
الاهتمام بالمسرحية، بدأ واستمر ولا يزال، لأنها صنعت فتنة جديدة بين المسلمين، والأقباط الذين يعيشون في هذا الوطن إخوانا فيه لا يميز بينهم إلا صلاة هذا في المسجد وصلاة ذاك في الكنيسة.
وهذه الفتنة الجديدة أخطر من كل فتنة طائفية سبقتها لأن السبب فيها يتصل اتصالا مباشرا بدين المسلمين وقرآنهم ونبيهم صلي الله عليه وسلم. كانت الفتن السابقة تقوم حول بناء مسجد أو بناء كنيسة أو، إسلام شخص أو ردة مسلم، وهذه أمور تتصل بالعلاقات الفردية أو الجماعية بين المسلمين والأقباط دون أن تمس دين أحد الفريقين أو كتابه أو نبيه.
حتي فتنة وفاء قسطنطين وماري عبد الله التي خولف فيها دستور الدولة وقانونها، وأحكام الشريعة الإسلامية التي لا خلاف فيها بين المسلمين، حتي هذه الفتنة لم يبلغ ما فعلته في النفوس مبلغ فتنة المسرحية وما أدت إليه من شعور مثير مدمر في نفوس المسلمين المصريين كافة.
المسرحية اسمها 'كنت أعمي والآن أبصرت'. وهي تحكي قصة شاب قبطي أغراه شباب مسلم بالتحول من المسيحية إلي الإسلام، ثم غرروا به وأرادوه علي ما لا يقره الإسلام ولا تقره المسيحية، فعاد إلي دينه الذي كان عليه. والعمي هي المدة التي أمضاها مع المجموعة المسلمة، والإبصار هو عودته إلي دينه الأول.
ولا أريد أن أعيد حكاية تفاصيل المسرحية وما فيها من مشاهد مقززة تصور المسلمين همجا متخلفين جهلة حتي بكيفية قراءة القرآن (فهو يقرأ علي غير وجهه طول المسرحية)، وتتضمن سخرية واضحة من النظم القرآني ومن بعض الأحكام التشريعية في القرآن الكريم، ومن الرسول صلي الله عليه وسلم، بل من رب العزة تعالي عما يقولون علوٌا كبيرا. لا أريد أن أعيد شيئا من تفصيل ذلك كله وهو كثير ممل لأنه، أولا، نشر فعلا في صحف عديدة مصرية وعربية: ولأنه، ثانيا، يجدد إثارة الفتنة ويصب وقودا جديدا علي نار بواعثها وهما أمران أرجو ألا يقع فيهما أو في أي منهما قلمي أو لساني.
ولم أكن لأتناول هذا الموضوع أصلا لولا أنني وقفت علي نص المسرحية كما جري تسجيله علي الاسطوانة الالكترونية (CD) الذي سجلت عليه ووزعت آلاف النسخ منه في الإسكندرية والقاهرة وغيرهما من مدن مصر. ولولا ما حدث بسبب هذه المسرحية من أحداث عنف وعدوان علي الأرواح والممتلكات في واحدة من أعنف حوادث الفتنة الطائفية في تاريخنا المعاصر.
(2)
أحضر الاسطوانة إليٌî صديق قبطي أعلم أنه لا يكذبني ويعلم أنني لا أكذبه. عمر صلتنا يزيد اليوم علي خمس وأربعين سنة، ومهما بعدت بنا الأيام لم تزد صلتنا إلا قوة ومتانة.
أحترم فيه عمق إيمانه المسيحي والتزامه الخلقي، وأظنه يحسبني علي مثل ذلك في شأن ديني. جمعتنا النشأة في حي واحد، والدراسة في المدرسة نفسها ثم الالتحاق بكلية واحدة. ومثل هذه الصلة القديمة لا تزيد مع الزمن إلا صدقا وحسن وفاء. وجمعنا فوق ذلك أننا مثل جيلنا كله لم يفرق بيننا اختلاف الدين بل أضفي علي صداقتنا نكهة حرص من كل منا علي مشاعر صاحبه وعلي مقدساته ولو كانت من العادات الدينية التي لا تسندها نصوص ثابتة يرجع إليها.
عندما سمعت بأحداث المسرحية من بعض من قرأوها في الصحف اتصلت به لأستجلي حقيقة الأمر، فوجدته في حالة من الاستياء عظيمة، وحدثني طويلا من غضبه أن يقال مثل حوار تلك المسرحية، وتمثل مشاهدها في ساحة كنيسة أرثوذكسية عريقة.
وأقسم وأنا أوقن بصدقه أن البابا شنودة الثالث لو رأي هذه المسرحية لأدانها وأدان الذين أذنوا بتمثيلها علي خشبة المسرح الكنسي. ثم أرسل إليٌî نسخة من الاسطوانة المسجلة عليها مشاهد المسرحية، فلما رأيتها علمت أن ما قاله أقل بكثير مما يجب أن يقال وأن الحرج الذي وضعت فيه هذه المسرحية الكنيسة المصرية الوطنية (كنيستنا القبطية الأرثوذكسية) أكبر من جميع أنواع الحرج وصوره التي وقعت الكنيسة فيها لأسباب أخري في ظروف سابقة.
وحاولت التأكد قبل أن أمسك بقلمي مما إذا كان البابا شنودة الثالث قد رأي المسرحية بنفسه أو قرأ نصها، فكان غاية ما أكده لي أصدقاء موثوقون، علي صلة دائمة قوية بالمقر البابوي، أن البابا لم ير المسرحية، ولم يقرأ النص المنشور عما يجري فيها من حوار، وإنما الذي فعل ذلك هم بعض كبار الأساقفة الذين يثق البابا بهم ثقة تامة، وأن أحدهم فرٌîغ الحوار الذي دار فيها بنفسه ليستوثق من صدق المنشور في الصحف، وأن آخر أكثر قربا بحكم المنصب الكنسي من البابا نفسه قد حاول أن يقص علي البابا مضمون الحوار المسرحي، فتعجب البابا بعد جملتين أو ثلاث من أن يكون هذا الحوار قد جري في كنيسة وبإشراف كهنتها، ولكنه أوقف الحبر المحترم قبل أن يسترسل في حكاية باقي القصة لأسباب لا يعلم حقيقتها، بعد الله تعالي، إلا البابا شنودة نفسه.
وهكذا غلب علي ظني أن الحقيقة الكاملة لمحتوي المسرحية لم تصل إلي سمع البابا أو بصره. وإذ كان الحكم علي أي أمر فرعا من تصوره، فإن البابا لا يستطيع، حتي يري المسرحية بنفسه كما رأيتها أن يحكم علي ما فيها ولا أن يقدر مدي خطورة صنيع الذين سمحوا بتمثيلها علي المسرح الكنسي، فضلا عن الذين شجعوا وباركوا وصلوا قبلها وبعدها، كما هو بين من ورود أسمائهم ووظائفهم الكنسية. في مقدمة الشريط وخاتمته.
ومن هنا فهمت سر رفض البابا الاعتذار عما في المسرحية من إساءة للمسلمين، ودينهم وقرآنهم ونبيهم صلي الله عليه وسلم، بل عرفت أن هذا الاعتذار يخرج حتي الآن عن أن يكون في وسعه أو طاقته لأنه لا يجوز أن يكلف الإنسان بالاعتذار عما يجهل حقيقته ولم يقف علي جوهر طبيعته. وهو لو فعل لأرهق ضميره من أمره عسرا، وهو أمر لا نحبه له، ونوقن أنه لا يحبه لنفسه، من واقع المعرفة بعمق رهبانيته وجرأة مواقفه.
(3)
لكن السئال يبقي ملحا علي كل مهتم بشأن الجماعة الوطنية المصرية، التي لحمتها وسداها المسلمون والأقباط في عيشهم الواحد، الذي لا يطغي فيه أحد علي أحد، ولا يستكبر فيه جانب علي آخر، ولا يستطيل فيه فريق علي فريق استثمارا لضعف وقتي تمر به المئسسة الحكومية أو لاستقواء أمده قريب بحليف غريب سيولي ظهره للفريقين جميعا حينما يوقن أنهم قد 'دقوا بينهم عطر منشم'!
أقول إن السئال الملح هو: هل يجب علي البابا شنودة أن يقف بنفسه علي ما تتضمنه المسرحية الكنسية، وأن لا يكتفي بقراءة نصها أو تلخيصه له وإنما أن يراها رأي العين من أولها إلي آخرها؟
والجواب عن هذا السئال هو قطعا عندي بالإيجاب. فالبابا هو رأس الكنيسة الوطنية المصرية. وهو الذي لديه مفاتيح الإحسان فيها والإساءة. وسيطرته التامة علي الأشياء والأموال والأشخاص لامراء فيها. ورعايته التي تفوق أي رعاية أبوية للكنيسة والمنتمين إليها وكهنتها هي مضرب الأمثال في الأوساط القبطية والمسلمة علي سواء. بل إن هذه الرعاية فوق الأبوية امتدت مئخرا لتشمل ببركتها الذين أعلنوا رغبتهم في ترك المسيحية إلي الإسلام، واستعادت الكنيسة إلي رحابها قبل نحو عام مضي السيدتين وفاء قسطنطين وماري عبد الله بعد أن كانتا قد أسلمتا، والله وحده يعلم إلي أين صارت بهما الحال بعد إيداعهما الدير نزولا من الحكومة بغير وجه حق وبالمخالفة للدستور والقانون عن واجبها في حماية مواطنيها وكفالة حقوقهم وحرياتهم كافة.
والرعاية البابوية لا تقتصر علي أقباط مصر بل تشمل الأقباط في العالم كله، وقد أنشئ من الكنائس القبطية في أركان الأرض الأربعة ما لم ينشأ في تاريخ الكنيسة القبطية كله عشره أو أدني من ذلك.
ونحن نفرح كلما رأينا عمامة قبطية سوداء في المحافل العربية خارج مصر، وكلما صادفنا كاهنا قبطيا في منتدي أوروبي أو أمريكي، لأن هئلاء الآباء الكهنة يودون رسالة بالغة الأهمية للوطن كله في تثبيت الولاء له والانتماء إليه في قلوب الناشئة من الأقباط المصريين المولودين في غربة عن أرض الوطن. ولن أنسي زيارة الكاهنين المسئولين عن كنيستنا المصرية في بوسطن لي عندما أجريت جراحة قلب في المستشفي الجامعي بها، وهي زيارة أكدت لي ما أحياه منذ وعيت من وحدة هذا الشعب، وجوهر مشاعر الاخوة بين أبنائه كافة. وقد حمل لي الكاهنان الطيبان يومئذ تحية أحللتها محلها اللائق من العرفان والتقدير من الصديق العزيز نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب ومن البابا شنودة نفسه.
ولكن بعض أقباط المهجر يمارسون دورا تحريضيا قبيحا ضد الوطن وأهله. البابا شنودة لا يفتأ يستنكر من موقعه الرعوي هذا الدور ويبريء منه نفسه وكنيستنا الوطنية في مصر وخارجها.
والذي يمارس مثل هذه الرعاية العامة لا يليق به ولا يجوز له أن يغض الطرف عن التحقق بنفسه مباشرة من صدق ما يقال أو كذبه حول المسرحية الكنسية التي أثارت الفتنة الحالية.
وعدم الوقوف المباشر علي ما تحتويه المسرحية من مشاهد وحوار هو الذي يجعل البابا يرفض الاعتذار. ويجعلنا نقدًٌر سبب رفضه: أنه لا يعرف ما قيل وفعل حتي يعتذر عنه.
لكن هذا السبب نفسه هو الذي يدعونا إلي أن نطلب منه بكل اخوة الوطن، وما لها عنده من تقدير أعرفه شخصيا، إلي أن يسرع بمشاهدة المسرحية، وقول رأيه فيها بالطريقة التي ترضي ضميره الديني وتخلص روحه من الاحساس بأن اخوته المسلمين ينتظرون منه ما يجب عليه فعله للمحافظة علي الوطن من أيدي صناع الفتن، وهو لم يفعل.
إنني قدٌرت تقديرا خاصا موقف البابا شنودة عندما اعتكف في الدير، وألغي عظته الأسبوعية، وأعلن أنه لن يعود إلي القاهرة، ولن يئدي قداس عيد الميلاد إلا بعد أن يفرج عن (أولاده) من الشباب القبط الذين قبضت الشرطة عليهم بعد أن أصابوا إصابات بالغة عددا من الضباط والجنود في أحداث الاعتصام للمطالبة بتسليم وفاء قسطنطين إلي الكنيسة.
وقد لبيت للبابا يومها طلباته كاملة. ووصفت ذلك يومئذ ولا أزال أصفه بأنه موقف سياسي حققت فيه الكنيسة من حيث هي قوة سياسية نصرا علي الحكومة المسئولة عن الإدارة السياسية للوطن. وقلت آنئذ إنه من هنا تبدأ الفتن: من شعور الأغلبية المسلمة بالقهر، وشعور الأقلية القبطية بالتفوق والقوة والقدرة، وبتراكم هذين النوعين من المشاعر عند العامة، وضيقي الأفق، وقصار النظر من الفريقين يشعل البلاد نارا. وهذا ما حدث بعد المسرحية السكندرية المشئمة.
والبابا الذي رأي من واجبه الاعتكاف والتهديد بإلغاء قداس عيد الميلاد ما لم تسلم إليه امرأة أسلمت ويطلق سراح أولاده الشباب القبط، من واجبه في المقابل أن يقف موقف الأب الحازم من هئلاء الشباب حين يخطئون في حق الوطن واخوانهم فيه ويسيئون إلي دين يكفر المنتمي إليه إن أساء إلي دينهم، ولا يتم إيمانه بدينه (الإسلام) إلا إذا آمن بنبيهم ورسالته وصديقية أمه البتول عليهما السلام.
إن الذي يستطيع أن يجد الشجاعة ليقول لمن يظنه مسيئا أسأت، ويتخذ المواقف التي تناسب ذلك الخطأ المظنون لا يجوز أن يفقد هذه الشجاعة عندما يكون المخطئ من أولاده، والخطأ مرتكبا في كنيسته، والذين رعوه كهنة قام هو نفسه برسامتهم أو إقرارهم في مناصبهم.
ولأن المسلمين المصريين يعلمون من البابا مدي شجاعته، وقدرته علي قول ما يريد، فإنهم يحملونه، أولا وقبل غيره، تبعة إصلاح ما وقعت فيه كنيسة مارجرجس بالإسكندرية، ويطالبونه ولهم الحق كله بأن يشاهد المسرحية التي عرضت فيها ويرضي ضميره الديني والوطني بالاعتذار صراحة وعلانية عن خطأ أولاده وكهنة كنيسته.
وبغير ذلك فإن الفتن التي بدأت اليوم قد لا تكون لها نهاية قريبة أو محمودة.
(4)
والمسئولية عن قول كلمة الحق، التي تطمئن بها خواطر المسلمين، لا تقع علي البابا شنودة وحده.
إن المسرحية السكندرية هي نشاط، أو كانت جزءا من نشاط شبابي يقوم به شباب الكنيسة في الإسكندرية. والأسقف العام للشباب هو صديقنا العزيز نيافة الأنبا موسي. وهو حبر جليل واسع الأفق، بعيد النظر، عظيم البصر بالمخاطر التي تجلبها علي الوطن الفتن التي تكون المشاعر الدينية وقودها.
لكنني أعلم علم اليقين أن الأنبا موسي، لو رأي المسرحية وساءه ما فيها وأدرك خطورته علي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين لن يكون في إمكانه إعلان رأيه دون إذن البابا شنودة ورضاه.
والنشاط الشبابي الكنسي كله يجري تحت رعاية الأنبا موسي، ولا بد أن له كهنة شبابا يباشرون مسئوليات أسقفيته في المدن والأقاليم، وهئلاء إن لم يكونوا قد استأذنوه في نص المسرحية ومشاهدها يكونوا قد أخطأوا في حقه خطأ حقيقيا: وإن كانوا قد استأذنوه فيهما وأنا أستبعد ذلك تماما فإن لنا نحن معشر أصدقائه المسلمين أولا، ولسائر مسلمي مصر ثانيا: عنده حقا يجب أن يئدي.
ونحن لا نكتفي بأن نطلب من البابا أن يأذن لنيافة أسقف الشباب بقول رأيه الحق في المسرحية وما تتضمنه من إساءة غير مسبوقة في مصر للإسلام والمسلمين، بل نطلب من البابا نفسه أن يصنع ما تمليه عليه مكانته الدينية، وتقواه الذاتية تجاه إخوان الوطن: وأن يقترن ذلك بالسماح لكل ذي شأن من كهنة الكنيسة وأبنائها بأن يكون سفير خير بين الكنيسة وبين المسلمين لتوأد نار الفتنة القائمة اليوم، وليحال بين غيرها وبين أن تشتعل في مكان آخر غدا
وكهنة كنيسة مارجرجس في الإسكندرية، ورئيسهم الأب أغسطنيوس مسئولون مسئولية مباشرة عما جري. وعما آل إليه الأمر من عنف أصاب المسلمين والمسيحيين جميعا.
لقد حاول المسئولون في محافظة الإسكندرية فور بدء بوادر الفتنة أن يقابلوا المسئولين في كنيسة مارجرجس ليحتووا الموقف ويمنعوا تفاقمه. ذهب إلي الكنيسة رئيس المجلس المحلي الأستاذ الدكتور طارق القيعي الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية والأستاذ سعيد وصفي المحامي المعروف، رئيس لجنة الشكاوي بالمجلس المحلي، والأستاذ كرم بخيت رئيس لجنة العلاقات العامة بالمجلس المحلي، والمهندس نبيل متري عضو المجلس المحلي، (والأخيران قبطيان أرثوذكسيان). وطلبوا مقابلة القس أغسطنيوس راعي كنيسة مارجرجس للتفاهم معه علي وسائل منع اتساع دائرة الأحداث ومحاولة إصلاح النفوس التي ساءها إهانة دينها وكتابها ونبيها. فرفض القس أغسطنيوس مقابلتهم وذهبت هذه المحاولة أدراج الرياح.
ولو كان هذا اللقاء قد تم، وما كان مرتبا بعده من اجتماع يحضره المحافظ ومدير الأمن وسائر القيادات الدينية والتنفيذية قد عقد، ما كان الحال قد وصل بنا إلي ما نحن فيه اليوم من قطع عري الصلة المتينة بين المسلمين والأقباط، لا في الإسكندرية وحدها، ولكن في مصر كلها.
ورفض هذ اللقاء، فضلا عما فيه من ناحية اللياقة والذوق، موقف يجب ألا يقبل كنسيا لأنه ساهم في إشعال الحريق الذي توجب عليه كهانته، وموقعه الرعوي أن يسعي إلي منعه أو بالأقل إلي إطفائه!
والجهات الرسمية المسئولة تتحمل قسطا كبيرا من تبعة ما حدث.
لقد بدأ توزيع الاسطوانة التي عليها المسرحية المشئمة في جامعة حلوان بالقاهرة.. ولما علم جهاز أمن الدولة بذلك التوزيع الذي كان يتم بين الطلاب والموظفين بلا تمييز بين مسلم ومسيحي، وشوهدت المسرحية، أبلغ النائب العام، وأرفق له بالبلاغ نسخة من المسرحية، وطلب إليه الأمر باتخاذ اللازم.
وكان ذلك قبل أية أحداث في الإسكندرية، وقبل بدء التوزيع الذي اتسع نطاقه في مدينة الإسكندرية. ولم يتخذ السيد المستشار النائب العام أي إجراء في هذا البلاغ. ولو فعل فأمر بسئال المعنيين في الكنيسة، والطالب أو الطلاب الذين كانوا يوزعون الاسطوانات في جامعة حلوان لربما كان الأمر كله قد مضي في طريق آخر غير الذي سلكه حتي الآن. ثم أبلغ النائب العام ثانية في 21/10/2005 فيما أظن بما بدأ وقوعه من حوادث في الإسكندرية، وكان منها الاعتداء بسكين علي المكرٌسة سارة رشدي (شفاها الله) وعلي المحامي كمال ميشيل مرقس، وعلي الشرطي السري وائل رشدي. وهذان قد تماثلا للشفاء. وجري تحرير محضر بأحداث يوم 21/10/2005 في قسم شرطة محرم بك (رقمه 13834) ثبت فيه إصابة 80 مواطنا، ووفاة واحد هو المرحوم عبد الناصر زكريا حسين (وفي رواية أن المتوفين ثلاثة لكن الاسم الوحيد المعروف هو هذا). وأصيب في هذه الأحداث نحو 80 مواطنا بعضهم إصابته حرجة، وكان ذلك في محاولة الشرطة وقواتها أن تحمي الكنائس ومن فيها من غضب المتظاهرين المسلمين.
ولو أن النيابة العامة كانت قد استجابت لبلاغ جهاز مباحث أمن الدولة الذي قدم إليها قبل أن يعلم الناس بأمرالمسرحية ويتسع نطاق توزيعها، ولو أن الكهنة المسئولين في الكنيسة كانوا قد أخضعوا للتحقيق حسب الأصول القانونية في التحقيق في البلاغات المتضمنة جرائم أو شبهة وقوع ما يخل بالأمن والسلم العامين: لو أن ذلك أو بعضه حدث لكنا توقينا كثيرا مما نحن فيه الآن.
لكن النيابة لم تبدأ تحقيقها إلا بعد المظاهرات التي واجهتها الشرطة بقوة أصابت من أصابت وأودت بروح من لقي ربه. وهذا التحقيق لا يزال محبوسا علي ذمته (102) مواطن مصري مسلم حتي الآن.
وهئلاء ليس لهم (بابا) يعتكف من أجلهم مع أننا في شهر من سننه الاعتكاف ولا لهم إمام يقول إنه لن يئدي خطبة العيد وصلاته التي بيننا وبينها أيام قلائل ولا لهم عصبية تقيم الدنيا ولا تقعدها حتي يتم الإفراج عنهم، ولن يهتم بهم سفير كما اهتم سفير إحدي أكبر دول العالم بالمقبوض عليهم من الأقباط في أحداث وفاء قسطنطين ولذلك أتوقع أن يبقوا في حبسهم إلي الأمد الأقصي الذي تملك النيابة أن تمد الحبس إليه.
وغاية ما أرجوه أن يعرف سجٌانوهم كيف كان الشباب القبطي يعامل في حبسه وأن يعامل المائة واثنان من المسلمين المحبوسين مثل هذه المعاملة أو أقرب شيء إليها إذا كان مثلها غير ممكن.
وإذا جاء العيد وهئلاء الشباب والكهول في محابسهم فإن من أفضل القربات زيارتهم يوم العيد في السجن والتخفيف عليهم بما يمكن لكل إنسان عمله. فإنهم وإن يكونوا مخطئين لم يحملهم علي خطئهم إلا الغضب لدينهم والحمية له. وليس من طلب الحق فأخطأ الطريق إليه كمن طلب الباطل فأدي غايته منه.
والمصابون في المستشفيات وبينهم عميد شرطة مصاب بارتجاج في المخ من الواجب علي المسلمين زيارتهم يوم العيد ومواساتهم والدعاء لهم، فإن إدخال السرور علي قلب الجريح مسلما كان أم قبطيا مما يرضي الله عنه ويثيب عليه.
(5)
هل يجوز الكذب علي الناس واستغفالهم؟
سئال ما فتئ يردد نفسه عليٌî منذ قرأت البيانين اللذين صدرا عن المجلس المليًٌ بالإسكندرية، وعن البابا شنودة وفضيلة شيخ الأزهر.
فأما بيان المجلس الملي فينكر أن المسرحية فيها إساءة إلي الإسلام وإلي القرآن. وهذا الإنكار غير صحيح. فإما أن السادة الموقرين وبعضهم أصدقاء قدماء لي لم يروا المسرحية ولم يصدقوا ما نشر في الصحف فكذبوه بظهر الغيب: وإما أنهم شاهدوها وأقروا ما فيها ولم يعتبروه إساءة إلي القرآن والرسول صلي الله عليه وسلم والإسلام، وهذه تكون طامة كبري لا يبرأ منها المجلس الملي إلا بالعودة إلي الحق في بيان جديد، لأن من مأثورنا أن الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل والناس قد رأوا المسرحية، وقرأوا نصها منشورا في عدة صحف فلم يعد الإنكار مجديا، ولا دفن الرئوس في الرمال مفيدا في تجنب ذكاء الصياد وسلاحه.
والبيان نفسه يقول إن المسرحية عرضت منذ سنتين ولمدة يوم واحد ولم تحدث أثرا. والمعلومات اليقينية لديٌî بخلاف ذلك. لكنني لا أريد الخوض في التفاصيل إنما أسأل بيان المجلس الملي: هل ما تضمنه يرفع عن المسرحية حقيقتها؟ وهل عرضها كل يوم يختلف عن عرضها مرة واحدة؟ وهل عرضها منذ سنتين يباين عرضها منذ شهرين؟
ثم... من الذي صورٌîها؟ ومن الذي نسخ صورها علي شريط الفيديو ثم علي ال CD؟ ومن الذي أوعز بتوزيعها في بداية العام الجامعي بعيدا عن مكان عرضها، في جامعة حلوان، ثم في الإسكندرية كلها ومدن أخري كثيرة؟؟
والبيان نفسه يقول إن وسائل الإعلام تعرض ما يتعرض للمسيحيين في عقيدتهم وإيمانهم للجمهور كله. وهذا غير صحيح جملة وتفصيلا. لقد قلت إن إيمان المسلم لا يتم إلا بإيمانه بالمسيح عليه السلام وبصدق رسالته.
ولا يجوز للمسلم ديانة أن يذكر دينا آخر بسوء ولو كان دينا أهله مشركون، فالله تبارك وتعالي يقول: 'ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم'. ويقول لنا: 'ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم'. ومحاولة التسوية بين ما تضمنته المسرحية السكندرية وبين ما قد يقوله أحد ملتزما منتهي الأدب والتوقير لنبي الله عيسي، محاولة فيها استغفال للناس لا يليق بالمجلس الملي وأعضائه الموقرين.
وأما بيان شيخ الأزهر والبابا شنودة فإنه يقول 'وإذا كان حدث ما أسيء فهمه فإننا من الواجب أن نعالجه بروح الحوار والتفاهم خاصة الأمر الآن تتولاه سلطات التحقيق'.
والراجح عندي حتي الآن أن البابا شنودة لم يشاهد المسرحية، فأن يقول 'إذا جري ما أسيء فهمه...' أمر طبيعي بالنسبة إليه. لكن أن يقول ذلك فضيلة الإمام الأكبر، ويوقع عليه بإمضائه الكريم ويئرخه بقلمه في 22/10/2005 بعد أن كانت اسطوانات المسرحية في متناول الكافة فأمر لا يقبل من فضيلته، ولا يجزيه عند الله ولا عند الناس. ولا يتصور أن يكون موقف من يجلس في المعقد الذي كان صاحبه يسمي (شيخ الإسلام) في شأن يمس الدين الذي هو صاحب أكبر مناصبه في مصر موقف الافتراض أنه حدث، وأنه أسيء فهمه.
لقد كان بوسع فضيلة شيخ الأزهر، ولا يزال، أن يري المسرحية بنفسه. وأنا أستطيع أن أرسل إليه لو شاء نسخة منها فلديٌî بالإضافة إلي نسخة صديقي المسيحي الطيب نسختان آخريان مما كان يوزع في مدينة الإسكندرية. وأنا موقن أن فضيلته عندما يشاهد المسرحية لو أراد ذلك سوف يكون له رأي آخر يليق بمكانه ومكانته بين المسلمين، وبورعه وتقواه وخوفه من الله، ومن الوقوف بين يديه، وهي مشاعر تفوق عند مثله ما يستشعره منها العامة والكافة.
ويتساءل بيان المجلس الملي عن معني التظاهر أمام الكنيسة وقرع أبوابها وإرعاب من بداخلها. وأضيف إلي ذلك الاعتداء الذي وقع علي بعض الكنائس، وعلي بعض الممتلكات يوم الجمعة 21/1./2005 بعد أسبوع من بيان المجلس الملي.
وجواب هذا التسائل أن هذه كلها جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات. والذين ارتكبوها وغيرهم منهم 102 لا يزالون محبوسين احتياطيا ويجري التحقيق معهم.. والإسلام لا يقر العدوان علي الأنفس والأموال ويصف دور الأديان كلها بأنها دور لذكر الله تعالي: 'ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا' فالصوامع والبيع (دور عبادة أهل الكتاب) مثلها مثل الصلوات والمساجد (دور عبادة المسلمين) يذكر فيها اسم الله كثيرا. وحرمة هذه في صحيح الإسلام كحرمة تلك، والعدوان علي واحدة كالعدوان علي الأخري.
لكن هذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 160 (ثانيا) من قانون العقوبات، والتي يجري التحقيق مع مرتكبيها، كانت نتيجة، ورد فعل، لجريمة أخري لم يسأل مرتكبيها أحد، ولم تحرك النيابة العامة ساكنا بعد إبلاغ السيد المستشار النائب العام عنها. تلك هي الجريمة المنصوص عليها في المادة 161 والمادة 171 (فقرة أخيرة) من قانون العقوبات المصري. والذين ارتكبوا هذه الجريمة هم الذين أعدوا المسرحية السخيفة، والذين أخرجوها، والذين مثلوها، والذين باركوا ذلك كله وسمحوا بتصويرها وتوزيع نسخ غير محدودة العدد منها علي الناس دون تمييز.
ومحاكمة هئلاء، أو تقديمهم للمحاكمة، واجب النيابة العامة الذي يجب عليها القيام به بحكم وظيفتها وتنظيمها القانوني. وقعودها عنه ليس قرارا قضائيا يحصن من المقاضاة، بل هو قرار إداري سلبي يجوز لكل ذي شأن أن يطلب من القضاء الإداري وقف تنفيذه وإلغاءه.
ولا يقال هنا إن البابا قد أمر، كما نشرت إحدي الصحف، بأن يذهب كهنة الكنيسة التي مثلت فيها المسرحية إلي دير وادي النطرون، وأن يذهب بعض من شاركوا فيها إلي دير السريان، لأن الإرسال إلي الأديرة قرار كنسي يخرج هئلاء عن سلطة الدولة ويجعلهم في حصانة غير دستورية من تنفيذ قانونها.
وتفقد الدولة من هيبتها وكرامتها وحقوقها القانونية بقدر ما تفقد من سلطانها علي بعض مواطنيها. والكهنة وسائر الأقباط ليسوا فوق القانون العام. والذي يطبق علي المسلم يجب أن يطبق علي غير المسلم سواء بسواء. وهذه هي مهمة الحكومة وهيئاتها وليست مهمة الكنيسة ولا من اختصاصاتها.
وإذا أفلت صناع هذه الفتنة من حكم القانون.. فانتظروا فتنا تحرق الأخضر واليابس، وتدع الحليم حيران.. فيارب سلم.. آمين