l" class="3" align="right">
ومن الملاحظ بوضوح أن ما عرضه الله في كتابه من قصص الأولين ، قد كان الغرض منه إيقاظ مشاعر الاعتبار والاتعاظ ، ولم يكن الغرض منه مجرد عرض قصص من القصص التاريخية ، مهما كانت المواقف الفنية المثيرة ظاهرة فيها ، ولذلك تبرز في القصة القرآنية الأحداث المشتملة على مواطن العظة والاعتبار ، ويأتي فيها لفت النظر إلى الاتعاظ والاعتبار ، في آخر عرض القصة أو في أوله أو في أثنائه .
ففي النص السابق نلاحظ في آخره قول الله تعالى :{فهل من مدَّكر؟ فكيف كان عذابي ونذر؟}.
ونلاحظ في القرآن تنبيهاً عاماً على الاعتبار بجميع ما أجراه الله في الأمم السابقة ، فمن ذلك قول الله تعالى يخاطب رسوله محمدا في سورة (فاطر/35 مصحف/43 نزول):
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }.
ففي قوله تعالى : {فكيف كان نكير؟} توجيه ظاهر للاتعاظ والاعتبار بكل ما جرى للأمم السابقة من عقاب لهم على كفرهم وتكذيبهم .
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة (يوسف/12 مصحف/53 نزول):
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
ففي هذا النص تصريح بأن الغرض من عرض قصص الأولين أن تكون عبرة لأولي الألباب ، وهم أصحاب القلوب الواعية والأبصار المدركة .
ومن هذا نلاحظ أن القرآن يعتمد – في ضمن ما يعتمد – على التربية بالقصة ، لما للقصة الواقعية من تأثير قوي في النفوس ، وتنبيه قوي على الاعتبار والادِّكار ، ومعلوم في الظواهر التاريخية أن تكرر النتائج للمقدمات دليل على ثبات السنةَّ الكونية ، فهي تدل عند ذوي العقول على أن للمستقبل حكم ما جرى في الماضي ، لذلك كان من الطبيعي الاستشهاد بأحداث الماضي دليلاً على ما يجري في المستقبل ، وباعتبار أن ذلك من سنن الله الثابتة .
وذلك جعل الله أنبياء الأولين أدلة لأولي الألباب ، يحاسبون عليها ، ويلامون على الاستهانة بها ، وعدم الاعتبار والاتعاظ بما اشتملت عليه من مواطن عظة واعتبار ، وهذا ما نلاحظه في قول الله الموجه للذين كفروا بمحمد في سورة (التغابن/64 مصحف/108 نزول):
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَينَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
ففي هذا النص نلاحظ توجيه اللوم والتوبيخ لهم إذ لم يتعظوا ولم يعتبروا بأنباء الذين كفروا من قبل .
وعلى هذا الأساس التوجيهي التربوي جاءت قصص القرآن .
تابع : عقوبات الكافرين المعجلة والمؤجلة