ظاهرة داء التعصب المذهبي لأقوال قادة المذهب المادي الإلحادي

ظاهرة داء التعصب المذهبي لأقوال قادة المذهب المادي الإلحادي

 

من كتاب :

 

     صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

 

     تأليف

 

     عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان

 

من غريب ما شهدت في أقوال الناقد (د. العظم) في كتابه "نقد الفكر الديني" ظاهرة داء التعصب المذهبي لأقوال قادة المذهب المادي الإلحادي ، لا سيما واضعو النظريات الإلحادية المادية من اليهود ، كأنه لا يكاد يرى علماً إلا ما قالوه ، ولا يكاد يمجد نظرية أو رأياً إلا ما ينسب إليهم ، ولا يكاد ينظر إلى مدرسة علمية في العالم غير المدارس التي تنسب إليهم ، حتى كأن أقواله فيهم أقوال عاشق مشغوف بحب لا أقوال باحث علمي دارس للعلوم وعارف بمختلف النظريات .

 

          أتُراها هي العمالةُ وأعمالها المأجورة تفعل كل هذا؟ أم الغفلة والفتنة والتعصب الأعمى؟

 

          إنه ليس من قبيل المصادفة أن يتعمَّد التنويه بأسماء اليهود الذين وضعوا الآراء والمذاهب الإلحادية ، وصنعوا لها ما أسموه بنظريات علمية ، فصاغوا مذاهبهم (نظرياتهم) في الاجتماع ، وفي الاقتصاد. وفي المادية الجدلية ، وفي الدراسات النفسية .

 

          وليس من قبيل المصادفة أن نراه لا يلفت الأنظار بقوة إلا إلى نظرياتهم ، أن العلم الحديث كله ، ومنجزات الحضارة منحصرة فيما قدم هؤلاء من دراسات لم تحظَ في عالم العلم بالقبول التام ، أو لم تؤيد حتى الآن بالبراهين العلمية القاطعة .

 

          ففي الصفحة (20) من كتابه يشيد بكتاب : "أصل الأنواع" لداروين ، ومعلوم أن نظرية داروين قد تبناها اليهود وأذاعوها وأشادوا بها لخدمتها لأغراضهم ، وهو يشيد بكتاب : "رأس المال" لكارل ماركس ، وهو يهودي .

 

          ويكرر في صفحات كتابه الإشادة بالداروينية ، ويسميها النظرة العلمية ، ويكرر الإشادة بالماركسية أو ما يسمى بالاشتراكية العلمية .

 

          وفي الصفحة (39) من كتابه يشيد باليهود الثلاثة : دوركهايم وفرويد وماركس .

 

          وفي الصفحة (41) يشيد ينظرية المادية الجدلية ، ونظرية دوركهايم في الطقوس والعبادات الدينية ، كأنها حقائق علمية لا خلاف عند العلماء فيها .

 

          وفي الصفحة (42) يشيد بالثورة الفرنسية ، وقد أصبح معروفاً تماماً أن اليهود هم الذين صنعوها ، لتحقيق أغراض اليهودية العالمية[1].

 

          وفي الصفحة (43) ينتقد الفكر الإسلامي المرحوم الشهيد (سيد قطب) لأنه رفض نظرية التطور العضوي ، أي : نظرية داروين ، ولأنه رفض نظرية فرويد في مجال الدراسات النفسية ، ولأنه رفض الماركسية أو الاشتراكية العلمية . ثم أخذ (العظم) يمجد ويشيد بهذه النظريات ، كأنه لا يوجد في عالم العلم نظريات علمية غيرها ، وكأن المفروض في كل الناس أن يكونوا مثله مقلدين لأئمته اليهود الذين يقلدهم هو تقليداً أعمى . مقروناً بتعصب شبيه بتعصب الجاهلية الأولى ، بل هو أشد خطراً وأكثر ضلالة ، وكأن المفروض في كل الناس أن يكونوا مثله عشاقاً للقيادات اليهودية العالمية ، أعداء الإنسانية عامة ، وأعداء الأمة الإسلامية والأمة العربية الخاصة .

 

          ففي انتقاده للمرحوم الشهيد (سيد قطب) يقول في الصفحة (42-43) ما يلي:

 

          "في الواقع يذهب سيد قطب إلى أبعد من ذلك في أفكاره التوفيقية ، فيرد المنهج العلمي التجريبي إلى روح الإسلام ، ويعتبر المنهج الإسلامي الأساس الذي قامت عليه النظرة التجريبية العلمية الحديثة ، وليتبين لنا مدى نجاح هذا التوفيق الشامل بين الدين والعلم ما علينا إلا أن نتابع تفكير السيد قطب ، لنجد أنه بعد مفاخرته بأن المنهج الإسلامي هو الأساس الذي قام عليه المنهج العلمي التجريبي نراه يرفض رفضاً باتاً أهم النتائج التي توصل إليها هذا المنهج ، لأنها تتناقض مع العقائد الدينية ، إنه يرفض نظرية التطور العضوي ، مع أنها توَّجت البحوث العلمية في علم الحياة ، ونظرية فرويد مع أنها من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث العلمية في مجال الدراسات النفسية ، ويرفض الماركسية أو الاشتراكية العلمية ، مع أنها أهم نظرية شاملة صدرت في العلوم الاجتماعية والاقتصادية في العصور الحديثة . أي : إن السيد قطب يرد المنهج العلمي إلى المنهج الإسلامي ، ولكنه يريد أن يبرئهما من جميع التبعات التاريخية الناتجة من قيام العلم ، وأن ينكر كل ما يلزم عن مقدمته الكبرى من نتائج . ولذلك نراه يرد على كل ما تمخض عنه المنهج العلمي من نظم ونظريات علمية وسياسية واقتصادية واجتماعية ، ذلك على الرغم من يقينه أن الجذور التاريخية لكل ذلك تمتد إلى المنهج الإسلامي".

 

          هذا ما كتبه (د. العظم) في نقده للمرحوم (سيد قطب).

          فما أعجب ما اشتمل عليه كلامه من مغالطات!! هل يلزم من الاتفاق على سلوك المنهج العلمي الواحد التسليم بكل النتائج التي يتوصل إليها جميع الباحثين ؟

 

          ألا يحتمل وجود خطأ أو نقص في البحث؟

 

          إننا نشاهد عدداً من الباحثين يتفقون على منهج البحث ، ثم يختلفون في النتائج اختلافاً بيناً ، وقد يكون الاختلاف متناقضاً تماماً .

 

          إذا كان الأمر كما يزعم (د. العظم) فعلينا إذن التسليم بكل النظريات المتعارضة المتناقضة التي تقول بها المدارس العلمية في العالم ، لأنها كلها تعتمد المنهج العلمي التجريبي أو النظري ، ففي الاقتصاد علينا أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين : الرأسمالية والاشتراكية العلمية ، وفي السياسة علينا أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين : الديمقراطية والديكتاتورية .

 

          إن هذا هراء سخيف لا يقول به عاقل . إن عدداً من الذين يحلون مسألة رياضية قد يختلفون في النتائج ، على الرغم من أنهم يلتزمون قوانين رياضية واحدة ، وهذا يرجع إلى كبوات الخطأ التي قد يقع بعضهم فيها ، فكيف يكون الأمر في الموضوعات الاستنتاجية التي لا يملك الباحث العلمي بالنسبة إليها وسائل تجريبية ، كفرضية (داروين) بالنسبة إلى خلق الإنسان ، وكفرضية (فرويد) في مجال الدراسات النفسية ، على أنه توجد مدارس نفسية أخرى تعارض ما ذهب إليه (فرويد) فهل هذه المدارس العلمية كلها ملزمة برأي (فرويد) إكراماً لعواطف الناقد (د. العظم) نحو إمامه هذا؟ وهل المدارس الاقتصادية في العالم ملزمة بالأخذ بالاشتراكية العلمية ، إكراماً لعواطف (د. العظم) نحو إمامه في مجال الاقتصاد ، اليهودي (كارل ماركس)؟

 

          إن هذا المنطق الإلحادي المتعصب تعصباً أعمى أصم لا يستحق عند العقلاء أكثر من السخرية . ومع ذلك فإننا نحن المسلمين لا نسلك هذا الطريق ، بل نناقش بالمنطق والعقل ولا نسخر ، ونرتقي في الجدال مع الخصوم ومع الأعداء الصرحاء إلى المستوى الجدلي العاقل الرصين ، احتراماً للحقيقة التي نبحث للوصول إليها ، ولتأييدها والتبشير بها ، واحتراماً لمفاهيمنا ومبادئنا التي لا هزل فيها ، ولا تدفع إليها أغراض شخصية ، بل هي مبادئ الحق التي تنزلت بها شريعة الله للناس .

 

          وفيما يلي دراسة موجزة لإمامين من أئمة (العظم) الملحدين ، هما (برتراند رسل) و(فرويد).

 

[1] انظر كتاب : "مكايد يهودية عبر التاريخ"، للمؤلف .

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة