رياسة الرجل ليس ظلماً للمرأة
كان الرجل في المجتمع العربي الجاهلي هو صاحب السلطان المطلق ، ورب الأسرة المهيمن على جميع أمورها ، ولم يكن هناك نظام يحدد صلاحياته في الأسرة ويبين حقوق زوجه عليه وحقوقه عليها ، ويوضّح الأسس لعلاقاتهما ومعاملة كل منهما للآخر.
وقد كانت الحال كذلك في المجتمعات الأخرى ، التي كانت قائمة قبل ظهور الإسلام ، بل وأسوأ من ذلك.
وجاء الإسلام فأحدث انقلاباً على وضع المرأة السائد آنذاك ، فقلب المفاهيم التي كانت سائدة عن المرأة ، وألغى النظريات التي كانت المرأة تعامل على أساسها ، وأنزل المرأة منزلة رفيعة ، وأعطاها من الحقوق ما كان مثار دهشة وإعجاب الصحابة أنفسهم قبل غيرهم.
ومما جاء به الإسلام في العلاقة بين الزوج وزوجته – وكان الأساس الذي بنى عليه الإسلام علاقة الرجل بالمرأة ، وبموجبه يتم التعامل بينهما – ما أشار إليه سبحانه في قوله:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة) بين لهم أنها مخلوقة من أنفس الرجال ، لا من طينة أخرى أحقر وأقل فتحتقر ، وتمتهن ، وخلقت لتكون زوجاً ، لا لتكون خادماً ، زوجاً يسكن إليها الرجل ، ويجد بجانبها طمأنينة النفس ، وراحة البال ، في جو تسوده المودة ، ويحكمه التراحم ، والتعاطف ، لا التحكم والتسلط: (وجعل بينكم مودة ورحمة).
على تلك الأسس السامية شرع الإسلام علاقة المرأة بالرجل ، وقرر ما للزوج وما للزوجة من حقوق وواجبات كل منهما قِبَل الآخر.
قال الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة)
قررت الآية أن لها من الحقوق قبل الرجل مثلما عليها للرجل ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بعض ما للمرأة من حقوق على الرجل ، وما له عليها ، فقال:
(ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وفي حديث آخر عندما سُئل: ما حق زوجة أحدنا؟ ، قال: (أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت).
فالرجل والمرأة طرفان ، يتبادلان الحقوق والواجبات في شركة الحياة الزوجية ، ولا تعني الآية التماثل الحسي العيني بين حقوق الرجل والمرأة ، إنما هو تماثل التكافؤ في الحق بينهما ، فإن حقوقها لا تماثل عين حقوقه ، وحقوقه لا تماثل عين حقوقها.
فعن ابن عباس ، قال: (إني لأحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي المرأة ، لأن الله يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)).
فهذا تطبيق دقيق لأوامر الله من السلف حتى في مثل هذه الأمور.
ولا شك أن الزينة التي يتزين بها الرجل غير الزينة التي تتزين بها المرأة ، ولكنهما يتماثلان فيما وراء الشكل والصور من أهداف ونتائج.
وقال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ، ولا يماطله به ، ولا يظهر الكراهة ، بل ببشر وطلاقة ، ولا يتبعه أذى ومنة: (وعاشروهن بالمعروف) وهذا من المعروف.
وقوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة): في هذا تقرير لمبدأ زيادة حق الرجل على حق المرأة ، وهي زيادة اقتضاها العدل ، وفرضتها طبيعة الأشياء ، وأيدها العقل والمنطق ، وقد بين الله هذه الدرجة وسببها في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والأسرة والبيت منظمة اجتماعية ، والحياة الزوجية شركة في هذه الحياة ، فلابد أن يكون لها رئيس ، وطرفا تلك الشركة هما: الزوج والزوجة ، فلابد أن يختار الأنسب والأكفأ منهما لرئاسة وإدارة تلك الشركة ، ولم يترك الاختيار لهما أو لغيرهما من بني البشر ، تحكمه العواطف ، وتسيره المصالح والأهواء ، بل تولى الله سبحانه وتعالى هذا الاختيار ، وبين سبب هذا الاختيار قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
فالرياسة في الأسرة للرجل بأمر الله ، وذلك مقتضى العقل وطبيعة الأشياء ، فالرجل مقدم على المرأة في العقل والدين.
وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، والتحكم بالعواطف ، والنظر إلى الأشياء بمنظار الواقع والمنطق والعقل ، كما أنه أبو الأولاد ، إليه ينتسبون ، وهو المسئول عن نفقتهم ، ورعاية سائر شئونهم في الخارج ، وهو صاحب المسكن ، وعليه إعداده ، وحمايته ونفقته.
فرياسته للأسرة إذاً أمر طبيعي لا يحتمل الجدل والمعارضة ، وليس في ذلك ظلم للمرأة ، أو جور على حق من حقوقها ، ورياسة الرجل في الحقيقة إن هي إلا امتياز نشأ للرجل بمقابل التبعات الكثيرة ، والاختصاصات الواسعة المسندة إليه ، وليس فيها ما يعني إلغاء إرادة الزوجة ، ولا إهدار شخصيتها ، فهي رياسة المسئوليات لا التحكم الذي يجور على حقوق العدل ، والمساواة ، والشورى.
وما برح الإسلام ينبه الرجال إلى هذه الحقيقة ، لرياستهم للأسرة والبيت ويحثهم على تطبيقها ، وأخذ أنفسهم بها ، والتقيد بأوامر الشريعة ونواهيها في المعاشرة بين الزوجين بالمعروف في حالة الحب والكره ، والرضا والسخط ، قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).
والفرك ضد الحب بين الزوجين ، فالحديث بمعنى الآية ، والقاعدة الشرعية في نظام المنزل التزام كل من الزوجين العمل بإرشاد الشرع ، ومنع الضرر والضرار بينهما ، وعدم تكليف الآخر ما ليس في وسعه.
فالشرع ينبه الزوج إلى طبيعة رياسته في البيت ، ويشعر الزوجين بما يجب أن تكون عليه العلاقة بينهما من حب وتآلف وتعاطف وتراحم ، ليتحقق المعنى السامي للزواج: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة).