د. جمال الحسيني أبوفرحة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com
إن دعوى انتشار الإسلام بالقوة والإكراه؛ تلك الدعوى التي يلوكها في كل عصر دعاة الفتنة وأئمة الضلال ضاربين عرض الحائط بما قدمه ويقدمه علماء الإسلام من براهين ساطعة، وحجج دامغة تبطل تلك المزاعم الواهية - هي دعوى أظهر بطلانًا من أن تبطل بالمناقشة على حد تعبير المستشرق الشهير"توماس كارليل" والذي آثرت ذكر شهادته ودفاعه عن الإسلام في تلك النقطة كي يكون الشاهد للإسلام من غير أهله فتكون الشهادة أحرى وأولى بالقبول .
يقول "توماس كارليل": "إن زعم أن الإسلام قد انتشر بالسيف هو أظهر بطلانًا من أن يبطل بالمناقشة لأن القائل به سواء ومن يقول إن رجلا واحدًا حمل سيفه وخرج إلى جميع مخالفيه ليبعث فيهم الخوف من سيفه ويسوقهم كرهًا إلى اعتقاد ما ينكرون؛ فيعتقدونه، ويثبتون عليه، ثم يحملون السيف معه لتخويف الآخرين".أ.هـ.
أما مسألة الفتوحات الإسلامية فلم تكن حروبًا ضد دول متحررة عادلة؛ وإنما كانت ضد إمبراطوريتين ظالمتين تخضعان جل العالم بالسيف لنهب ثرواته واستعباد شعوبه؛ ومن هنا فقد كانت الفتوحات الإسلامية تهدف إلى تخليص تلك الشعوب من نير الاستعباد وتتيح لأهلها الفرصة لسماع دعوة الإسلام دون إكراه أو إجبار، وهذا الأمر شهد له أهل تلك البلاد التي فتحها المسلمون وشهاداتهم في ذلك متواترة، مشهورة، تعز على الحصر، وليس أدل على ذلك من مساعدة أهل تلك البلاد للمسلمين في فتحهم لبلادهم .
ونحن إذا نظرنا إلى دولة كمصر أكبر الدول العربية الإسلامية عددًا سنجد أن نسبة المسلمين فيها كانت 5% بعد قرن من الفتح الإسلامي لها؛ ثم أصبحت 25% بعد قرنين من الفتح، وبعد 450 سنة من الفتح أصبحت النسبة 75% ، والآن وبعد 1400 سنة أصبحت نسبة المسلمين بها 94% ؛ فأين السيف وأين الإجبار مع هذا النمو البطيء لنسبة المسلمين في مصر؟ !!!
إن دين الرحمة لا يدعو سوى للرحمة ولا يدعو إلى القتل وسفك الدماء كما يزعم الحانقين عليه؛ فنحن إذا أحصينا عدد كل من قتلوا في حروب الرسول – صلى الله عليه وسلم- مع الكفار فسنجدهم حوالي 1100 ، 800 من الكفار، و300 من المسلمين .
أما مسألة الجزية فقد أسيء فهمها من أهل الكتاب عن عمد أحيانًا وعن جهل أخرى؛ وحقيقة الجزية أنها ضريبة كانت تؤخذ من أهل الكتاب كما تؤخذ الزكاة من المسلمين، فهي تقابل الزكاة وتشبهها في أمور وتختلف عنها في أمور .
فهي تشبه الزكاة في أن غير القادر معفي منها، وأنه يصرف منها على المصالح العامة كشق الترع وتمهيد الطرق وحماية الدولة ورعاية العجزة من كل رعايا الدولة بصرف النظر عن دياناتهم . . . الخ .
وتختلف الجزية عن الزكاة في أن من يؤدي خدمات عامة للدولة تسقط عنه الجزية إن كان من أهل الكتاب ولا تسقط الزكاة عن المسلم الذي يؤدي نفس هذه الخدمات للدولة . . أضف إلى ذلك أن مقدار الزكاة أكبر من مقدار الجزية لأن الزكاة نسبة في رأس المال أما الجزية فهي مبلغ محدد يجب على كل قادر بصرف النظر عن رأس ماله الذي يملكه؛ وذلك لأن الزكاة عبادة مالية يطالب بها المسلم دون غيره كما يطالب بالصلاة والصوم والحج مع ما في هذه العبادات من مشقة .
فلم ينفرد أهل الكتاب بدفع الضرائب دون المسلمين بل كانت الجزية بالنسبة لهم أخف من الزكاة المفروضة على المسلمين فهي في حقيقتها إنما وضعت لتأليف قلوب أهل الكتاب؛ ومن ثم فهي أبعد ما تكون عن أن تكون وسيلة ضغط أو إكراه لأهل الكتاب على الدخول في الإسلام كما يزعم الزاعمون .
فهذه شهادة التاريخ، وشهادة عدول أهل الكتاب لكل من كان له سمع أو شيء من عقل . . فكيف تنكر؟ !!!
فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقًا لأصحاب السعير" الملك: 10 والله أسأل الهداية لنا أجمعين
---------------------------------------------------------------------
عنوان المراسلات: المملكة العربية السعودية – المدينة المنورة – جامعة طيبة – كلية المجتمع – ص ب:2898 – ت:0508628894