قال الله تعالى: " {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19
يُخبِرُنا الله عز وجل في هذه الآية أن الدين عند الله الإسلام، وما عداه فلن يقبله ولا يرضاه، وأخبر عن حال المجادلين في شأن تأليه سيدنا عيسى عليه السلام بالباطل، وأن خلافهم لم يكن عن جهل منهم بالحق ومعرفته ولكن كان عن علم حقيقي، وإنما حملهم على الخلاف المسبب للفتن والحروب وضياع الدين: البغي والحسد، إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية والدنيوية لها دون غيرها، وبذلك يفسد أمر الدين والدنيا، وهذه سنة بشرية ..
وإذا نظرنا من ناحية فلسفية في تاريخ المسائل الدينية، رأينا عاملين خطيرين قد فرّقا بين الأديان وجعلا أهلها شيعاً يضلل بعضهم بعضا:
أولاً: ما تجرأ عليه قادتها من التهافت على تصوير الخالق بصورة ذهنية.
ثانياً: اعتمادهم على تأويل ما لم يحيطوا بعلمه ولم يكلَّفوا البحث فيه من الشئون العلوية.
فبالعامل الأول اختلف أهل أمل الملل في تحديد ذات الخالق ( فأصبحوا بين معدد ومجسم ومشبه ومعطل وجميعهم لا يصدرون عن علم مقرر، ولا صل محقق ولكن عن الخيال المحض. وقد تأدى أكثرهم إلى تأليه أنبيائهم وقِدِّيسيهم فلما جاء الإسلام حسم مادة هذا العامل المفرق ) فقرر أن الإنسان مها حلّق في جو الخيال و التصوير، وأبعد في النظر والتفكير فلن يصل إلى إدراك ذات الخالق، فأمر متبعيه بأن يقتنعوا بمحض الاعتقاد بوجوده مع تنزيهه الكامل عن كل ما يجول في خيال المشبِّهين، وهو ما تدل عليه بداهة العقل. أما أي جهد يبذل فيما وراء ذلك ففضلاً عن أنه لا يأتي إلا بخيال لا حقيقة له يكون أثره المباشر اختلاف النحل إلى مذاهب لا عداد لها، فلا تعود تجمعهم جامعة الدين الحق الموافق للفطرة البشرية والمناسب لدرجة قواها المعنوية
فقد قال تعالى:
{.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى 11
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }طه110
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
وإذا كان الإنسان لم يستطع أن يدرك إلى اليوم حقيقة المادة التي بين يديه، ولا حقيقة نفسه التي بين جنبيه، ولا تركيب الوجود الذي يراه بعينيه؛ فمن الفضول أن يتطاول إلى تصوير ذات خالقه بأي صورة تخطر بباله.
وأما العامل الثاني الذي مزق وحدة الأمم وجعلها شيعاً فهو صرف نصوص الكتب السماوية عن ظواهرها إلى ما يوافق أهواء البهائيين، ويؤيد مزاعمهم التي يتشيعون لها.
من أمثلة تأويل النصوص أنه جاء في الإنجيل أن عيسى يقول:
"إني ذاهب إلى أبي وأبيكم ليبعث لكم الفارقليط الذي ينبئكم بالتأويل"، وقوله: "إن الفارقليط الذي يرسله أبي بإسمي"، فذهب المسيحيون إلى أن المراد بالفارقليط روح القدس، ولكن البهائية التي أولعت بصرف النصوص عن ظاهرها إلى ما يؤيد أهواءهم قالوا: إن المراد بالفارقليط بهاء الله ،ومن هذا الشطط ما ذهبوا إليه في تأويل يوم ا لحسرة، ويوم التلاق، ويوم القيامة، والساعة وأمثالها مما ورد في القرآن الكريم؛ فقد أوَّلوا كل ذلك بيوم نزول روح القدس، وقيام مظهر أمر الله وهو البهاء في زعمهم ، وليس يخفى على عاقل أنه إذا سوغ البهائيون لأنفسهم مثل هذا التأويل الزائف فإنه يجوز لكل طائفة أن تتخذ ما تشاء من التأويلات التي لا يرضاها عقل؛ ليؤيدوا بها أهواءهم، ما دام الأمر جارياً على قاعدة الترجيح بلا مُرَجِّح من أي ضربٍ كان.
وكذلك تأويلهم لقوله تعالى في سورة ق:
"وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ{41} يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ{42}"
"بأن هذا نداء الرب تعالى يرتفع من الأرض المقدسة أقرب الأراضي إلى الأقطار العربية وهي الجزء الغربي من البلاد السورية"(1)
يريد أن في هذه الآية إشارة إلى عكا حيث يقيم بهاء الله، وأنه هو المنادى المذكور فيها، وبداهة العقل تشهد بأن هذه الآية وردت في يوم القيامة، كما هو ظاهر لا يحتاج لتأويل.
ومن هنا يتضح لنا أن البهائية قامت على العاملين الذين فرقا الأديان وجعلا أهلها شيعاً وهما الخوض في تناول ذات الله بالخيال، وإطلاق العنان للتأويل بدون ضابط من العقل، ولا ترجيح من العلم ولا مسوغ من العقل.
1- الدرر البهية للجارفادقاني