طموح البهائية بأن تكون ديناً عاماً للبشر
إن طموح البهائية أن تكون ديناً عاماً، يدخل فيه الناس على اختلاف جنسياتهم ونـحلهم هو مما يقضي بالعجب؛ لأنها ليست بدين سماوي، وليس فيها من الأصول والمبادئ ما يلفت العقول إليها بعد أن بالغَت في عرض نفسها على الأمم، فأين هي من الإسلام الذي بنى أمماً قوية، ومَدَنيات فاضلة في خلال عصور متعاقبة، ولا يزال على مثل خيريته الأولى حتى ليتوقع فلاسفة كثيرون- ومنهم"برناردشو" الفيلسوف الانجليزي المشهور- على أن مبادئ الإسلام يوشك أن تعم العالم أجمع، فهذه الحيوية القوية الدائمة في الديانة الإسلامية وصلاحيتها لأن تكون ديناً عاماً للناس كافة إنما حصلتا لها بسبب قيامها على حقائق آلية خالدة:
أولاها: موافقتها للفطرة التي فطر الله الناس عليها.
ثانيتها: اعتمادها على العقل والعلم.
فبموافقتها للفطرة الإنسانية ارتكنت على جملة الغرائز النفسية، وينبوع قواها المعنوية، ولا يخفى أن هذه الفطرة واحدة في جميع أنواد النوع البشرية وما ترمي إليه أغراض الوجود لا يتعدد إلا بعارض من التربية الفاسدة أو الوراثات الضالة، ولكن الفطرة خلقت سليمة، فلا تلبث حتى تستقيم على جادتها، وتخلع كل ما صبغت به قهراً الصبغ الوقتية، فمصيرها محتوم ومتعين، وهو الوحدة العامة، فلا مناص من أن الدين الذي يقوم على الفطرة الإلهية هو الذي سيكون له القيادة العامة حتماً.
و ثانيها: باعتماد الديانة الإسلامية على العقل الكامل والعلم الصحيح، ضمنت لنفسها العاقبة التي لا مفر للعالم منها، وهي الإجماع البشري على أنها الدين الحق الذي لا معدل عنه.
فأنت ترى أن الإسلام قد استجمع جميع العوامل التي تضمن له التعميم والخلود، وترد إليه الخلائق محفوزة بغرائزها الفطرية، وبقوى الوجود التي تتولى الإنسانية.
فأين البهائية من هذا الموقف العلمي الحق، وهي تقوم على أصلين، أحدها عتيق غامض، قال به أفراد من محبي السَّبح في الخيالات في كل زمان ومكان، ولم تصادف مذاهبهم إلا إعراضا ونفوراً وهو تصوير ذات الله بصور المخلوقين- تعالى الله عما يقول المبطلون علواً كبيراً.
وثانيهما وهو صرف الألفاظ عن ظواهرها مجال فسيح للظنون والأوهام والخبط، قامت عليه فرق قبلها وجلت عن الأرض ولم تخلف أثرا.