من السهل الميسر لذوي الثقافة المتوسطة بالإسلام من جانبَيه-العقيدة والشريعة-والمعرفة المتواضعة بكتاب الله تعالى في أسلوبه الرصين وعبارته المشرقة، ومضمونه الهادي إلى سواء السبيل، المطلع على ما يزعمه الباب من وحي السماء ويدعيه من شريعة ناسخة للإسلام- أن يتبين في جلاء وبداهة عمق هذه الحماقة التي تردَى فيها هذا الملقَّب بالباب، ومدى ذلك الهذيان السمج الذي روَّج له هذا الشاب المأفون الضال وطلع به على الناس بوصفه ديناً موحى به من السماء.
وبعد؛ فما أخال مصدقاً بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا مكذبا هذا المتنبئ مكفراً له مستحلاً لدمه.
وما أحسب مطلعاً على ما زعمه (الباب) وحياً منزلاً من السماء مدعياً إعجازه والتحدي به إلا راثياً أشد الرثاء لما أصيب به الباب من خلل واضطراب في قواه العقلية؛ سببه في أكبر الظن تلك الرياضات الشاقة المجهدة التي كان يحتملها ويشق على نفسه بها عند تعرضه لأشعة الشمس المحرقة الملتهبة وهو عاري الرأس فوق سطح مسكنه في (ابوشهر) من الظهيرة إلى ما بعد العصر، إلى جانب ما كان يسمعه في دروس الرشتي؛ وما أوحى به إليه البشروئي من أوهام وضلالات عن المهدي. وحقيقة النبوة، نقلاً عن داهيتهم أحمد الإحسائي مما تردى معه في النهاية إلى الهذيان المحموم المستدعي التماس العلاج والبحث له عن دواء ، ثم ساخطاً مزدرياً لهؤلاء المأجورين الحاقدين على الإسلام وأهله ممن أحاطوا بالباب ، وما برحوا يفتلون في الذروة والغارب مستغلين سذاجته وافتتانه بنفسه حتى تورط فيما أودى به في الدنيا ويهلكه الله تعالى به في الآخرة، أو مستحمقاً متعجباً لهؤلاء الذين تردوا في هذا الدرك من الجهل فاستساغوا متابعة هذا الباب وتصديقه في ترهاته وهواجسه.
وتلك نماذج مما ادعاه وحياً منزلاً نطلع منها على سوء تفكيره واضطراب مسلكه وجهالة أتباعه ومهانتهم ، ولولا أن رأينا ما سنذكره من نصوص مثبتاً في كتب البابية أنفسهم ومصادرها الموثوق بها لقلنا أحاديث ملفقة ، وأقاويل مدسوسة عليهم ابتغاء التشهير بهم وأشيع عليهم من جاهل قالٍ أو متعصبٍ غال.
فهو يقول فيما يسميه اللوح الأول من آيات الوحي: "آثار النقطة جل وعز البيان في شئون الخمسة من كتاب الله عز وجل كتاب الفاء: باسم الله الأبهى الأبهى بالله الله البهي البهي الله لا إله إلا هو الأبهي الأبهي الله لا إله إلا هو البهي البهي الله لا إله إلا هو المبتهي المبتهي، الله لا إله إلا هو هو المبهي المبهي الله لا إله هو الواحد البهيان، ولله بهي بهيان بهاء السموات والأرض وما بينهما والله بهاء باهي بهي ولله بهي بهيان بهية السموات والأرض وما بينهما، والله بهيان مبتهي مبتهاه ولله بهي بهيان ابتهاء السموات والأرض وما بينهما، والله بهيان مبتهي مبتاه. قل الله أبهى فوق كل ذي البهاء"
إلى أن يقول: إنا قد جعلناك جلالاً جليلاً للجاللين، وإنا قد جعلناك جمالاً جميلأ للجاملين، وإنا قد جعلناك عظيمانًا عظيماً للعاظمين، وإنا قد جعلناك نوراً نوراناً نويراً للناورين، وإنا قد قد جعلناك رحماناً رحيماً للراحمين، وإنا قد جعلناك تماماً تميماً للتامين"
إلى أن يقول: "قل إنا قد جعلناك بطشاً بطيشاً للباطشين ، قل إنا قد جعلناك سكاناً سكيناً للساكنين، قل إنا قد جعلناك رضياناً رضياً للراضين، قل إنا قد جعلناك هدياً هادياً للهادين، قل إنا قد جعلناك نبلاً نبيلاً للنابلين، قل إنا قد جعلناك جهرناً جهيراً للجاهرين".
إلى أن يقول: "قل إنا قد جعلنك شمساً مضيئاً للضائيين، قل إنا قد جعلناك قمراً منيراً للناورين، قل إنا قد جعلناك كواكب مشرقة للشارقين، قل إنا قد جعلناك سلماً ذات ارتفاع للرافعين ، قل إنا قد جعلناك أرضاً ذات انسطاح للساطحين ، قل إنا قد جعلناك جبلاً ذات ابتذاخ للباذخين ، قل إنا قد جعلناك بحراً ذات ارتجاج للسائرين ، قل إنا قد جعلناك كل شي ء ونزهناك عن كل شيء إنا كنا على كل شيء قادرين ، قل إنا قد جعلناك كل شيء وقدسناك عن كل شيء ، وإنا كنا على ذلك لمقتدرين ..الخ"
تلك مقتطفات مما زعمه الباب وحياً منزلاً عليه من السماء باسم(البيان) يتجلى لمن له مسكة من عقل وبقية من رشد مدى ما تنطق به من عجمة في التركيب وتعثر مشين في التعبير، وتقليب غث لصيغ بعض الكلمات بما يجافي اللغة ويصادم الذوق، وتمجه الطباع ويثير السخرية والتهكم بهذا المتنبئ الكذاب، ثم العجب العجاب من حماقة هؤلاء الذين استزلهم هذا الشيطان الخبيث أو المخدوع المغرور وتسلط عليهم بما تلوناه عليك من هذا الهراء الفارغ والهذيان المحموم والاقتباس المبتور المشوه، والتقليد الأعرج لبعض من آيات القرآن الكريم.
أما مضمون هذا (البيان) فلا شيء سوى ما يبرز هوس الباب، واضطراب تفكيره، ثم افتتانه بأوهامه الفاسدة، وتصوراته المريضة أو الخبيثة المغرضة، وولعه بامتداح نفسه والإشادة بها زوراً وبهتانا.
فهو يقول: (ولعمري أول من سجد لي محمد، ثم علي، ثم الذين هم شهداء من بعده، ثم أبواب الهدى أولئك الذين سبقوا إلى أمر ربهم وأولئك هم الفائزون )
ويقول: "ولعمري إن أمر الله في حقي أعجب من أمر محمد رسول الله من قبل لو أنتم فيه تفكرون، قل إنه ربي في العرب، ثم من بعد أربعين سنة قد نزل الله عليه الآيات وجعله رسوله إلى العالمين، قل إفي ربيت في الأعجمين، وقد نزل الله عليّ من بعد ما قد قضي من عمري خمسة من بعد عشرين سنة آيات التي كل عنها يعجزون، وقد قضي يوم الدين وانما بما قد وعدنا من قبل في القرآن إنا كنا نستنسخ ما كنتم به تعملون"
ويقول ما ترجمته: إني أفضل من محمد كما أن قرآني أفضل من قرآن محمد، وإذا قال محمد بعجز البشر عن الإتيان بسورة من سور القرآن فأنا أقول بعجز البشر عن الإتيان بحرف مثل حروف قرآني، إن محمدا كان بمقام الألف وأنا بمقام النقطة . . . الخ"
ويقول: وإنني أنا عبد قد بعثني الله بالهدى من عنده، أفلا تحبون أن تكونن من المتقين ، وما يهبط أعمالكم إلا بما احتجبتم عن رسول وما عنده فإذا أنتم حينئذ على أنفسكم ترحمون« إن تحبون أن تدخلون في دين الله فتحضرن عند الرسول في أرضكم ولتستغفرن الله عنده فإن من يستغفرن له الرسول من عند الله فأولئك يقبل أعمالهم وهم في درجات الرضوان"
وهكذا لا تجد في كتاب الباب المسمى (البيان) إلا هذا العي الفاضح واللحن المتفشي والأسلوب الركيك الهزيل ، وعلى الرغم من ذلك كله يجد الباب من بيئته الساذجة الجاهلة ما يسمح له أن يتحداهم بالإتيان بحرف واحد من مثل هذا السخف المتداعي.
وعندما واجهه بعض معاصريه بما يشيع في كتابه (البيان) من لحن وانحراف عن قواعد العربية أجاب في تمحل صفيق: "إن الحروف والكلمات كانت قد عصيت واقترفت خطيئة في الأول فعوقبت على خطيئتها بأن قيدت بسلاسل الإعراب وحيث إن بعثتنا جاءت رحمة للعالمين فقد حصل العفو عن جيع المذنبين والمخطئين حتى الحروف والكلمات فأطلقت من قيدها تذهب إلى حيث شاءت من وجوه اللحن والغلط"!!!
إن النصوص الدينية من الكتاب والسنة صريحة في ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم
أما الكتاب :
فقول الحق تبارك وتعالى:" وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" الأحزاب: 40
* والخاتم في تفسير الألوسي اسم للآلة التي يختم بها كالطابع اسم لما يطبع به، والمعنى أن الله تعالى ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم النبيين، ومن أجل ذلك فهو-ولا ريب- آخرهم.
* ويقول الألوسي: "وقرأ الجمهور(خاتِم) بكسر التاء على أنه اسم فاعل، أي الذي ختم النبيين(والمراد به أخرهم).
* والمراد بالنبي ماهو أعم من الرسول؛ فيلزم من كونه خاتم النبيين كونه خاتم المرسلين« والمراد بكونه صلى الله عليه وسلم خاتمهم انقطاع حدوث وصف النبوة في أحد من الثقلين بعد تحَلِّيه عليه الصلاة والسلام بها في هاه النشأة.
وأما السنة:
فقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم بسنده: " مثَلي ومَثَل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه إلا موضع لبنة فيه فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون ويقولون هلاّ وضعث هذه اللبِنة فأنا اللّبِة وأنا خاتم النبيين"متفق عليه
وقوله صلى الله عليه وسلم: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي"
ويروي الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نبوة بعدي إلا المبشرات"، قيل وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: " الرؤيا الحسنة" أو قال: " الرؤيا الصالحة"
وإنما يصح تفنيد ادعاء ( الباب ) للنبوة بهذه النصوص الدينية والأدلة النقلية من الكتاب الكريم والسنة المطهرة بناء على ما أعلنه الباب وجهر به من إيمانه بالقرآن وحياً منزلاً من السماء على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن كنا على يقين من أن ذلك لا يعدو التمويه والتضليل، الأمر الذي يلجأ إليه ويحتمي به متابعة منه لأسلافه من الباطنية في ظل ما عرفوا به واستمرءوه من القول بالتقية.
فإذا هو أصر على التلاعب بصريح النصوص، ورام التمحل في تأويل ما يدل على ختم النبوة بمحمل صلى الله عليه وسلم (وقد فعل حيث لا مناص ولا زور) واجهناه ومن استحوذ عليهم من ضعاف الأحلام بما يقصم الظهر ويفري العظم، وهو إجماع المسلمين من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا على أن عقيدة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم من عقائد الإسلام ، والمعلومة من الدين بالضرورة، يكفر جاحدها وتجب مقاتلته وقتله.
ومن أجل ذلك أصر المسلمون عبر تاريخهم الطويل على محاربة كل من تسوِّل له أطماعه وتزين له مآربه التهجم على مقام النبوة بادعائه هذه المرتبة ، كما حدث في حربهم لكل متنبئ كذاب يجادل في أيات الله بغير سلطان، كمسيلمة والأسود العنسي وغيرهم ممن أضلهم الله على علم وختم على سمعهم وقلوبهم، وجعل على بصرهم غشاوة.
1- مفتاح باب الأبواب ص276
2- مفتاح باب الأبواب ص 327،328،120،204
3-مفتاح باب الأبواب ص99