مقدمة صراع
قد يجد القارئ في فصول
الصراع تكريراً في بعض الأفكار ،
ألجأت إليه ضرورة تقصِّ الناقد ،
ومتابعة أقواله وتزييفاته المتكررة .
من كتاب :
صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم
تأليف
عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني
ظهر الناقد (د. العظم) في هذا العصر ، ضمن طائفة من الملاحدة الجدليين الذين ينكرون الله واليوم الآخر ، ويكذبون الرسل والأنبياء ، ويجحدون الكتب الإلهية والمعجزات ، ويرتدون أقنعة العلمانية والبحث العلمي المتقدم ، ويستغلون بالباطل كل ثقل التقدم العلمي المادي في الصناعة والتكنولوجيا ، زاعمين للناشئين من أجيالنا أن التقدم العلمي الحديث يدعم مذهب الإلحاد والكفر بالله . مع أن العلم الحق إنما يدعم الإيمان بالله لا الكفر به ، أياً كان نوع هذا العلم ، أما الباطل الذي يلبس ثياب العلمانية فقد يدعم قضية الإلحاد بالله وبآياته ، لأنه باطل يرتدي ثياب زور ، فهو يؤيد باطلاً مثله ، والباطل ينصر بعضه بعضاً.
لذلك كان لا بد من اللجوء إلى خطة جدال بالتي هي أحسن مع الكافرين والملحدين ، لكشف مغالطاتهم ، وفضح أهدافهم وأهداف سادتهم من نشر الإلحاد في الأرض ، والأكاذيب والمفتريات ، والتلبيس والتدليس ، ولئلا يعيثوا في الأفكار فساداً ، ويلمؤوها ضلالاً وإلحاداً.
أنتركهم يقذفون أجيالنا – أحفاد المؤمنين الصادقين المخلصين – إلى مواقع الهلاك والعذاب والدمار الماحق . وإلى أوحال المهانة والمذلة والخزي!؟
لقد رأيت بعد تردد طويل – كما ذكرت في المقدمات – أنه يجب علي وعلى جميع الباحثين من أنصار الحق والخير والفضيلة أن نكشف زيف هؤلاء المضللين ، وأن نُبرز للمفتونين والمخدوعين وجه الحق مؤيداً بدلائل العلم القويم والمنطق السليم ، وأن نناقش جدليات الملحدين مناقشة عقلانية علمية هادئة ، وأن نجادلهم بالتي هي أحسن ، ثم لا يضرنا بعد ذلك أن يُصروا على كفرهم وإلحادهم ، فالله هو الذي يتولى حسابهم وعذابهم ، أما نحن فما علينا إلا البلاغ المبين .
ورأيت أن من واجبنا أيضاً أن نقيم بينهم وبين أجيالنا سداً منيعاً من المعرفة الرصينة الراسخة بحججها وبراهينها ، حتى لا تنخدع هذه الأجيال بزيف ما يكتبون ، وزخرف ما يقولون ، لا سيما حينما يلبس هؤلاء الملحدون أقنعة العلمانية المزورة ، ويتسترون وراء التقدم العلمي الحديث ، ويستغلون لأنفسهم مظاهر التقدم الصناعي والتكنولوجيا .
مع أن التقدم الصناعي والتكنولوجي لم يكن ولن يكون في الحقيقة ملحداً بالله ، بدليل أن معظم أئمة التقدم الصناعي والتكنولوجي وأئمة العلوم الحديثة مؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً يصرِّف أموره بعلمه وقدرته وعنايته وحكمته .
من هذا الذي يستطيع أن يثبت حقاً أن علوم الفيزياء والكيمياء والطب ، وعلوم الرياضيات والفلك والأحياء والنباتات ، وعلوم الذرة والصواريخ والمركبات الفضائية ، علوم قائمة على أسس الإلحاد بالله والكفر بقدرته وعلمه وعنايته وحكمته؟
هل هذه العلوم تثبت ببراهينها أنه ليس لهذا الكون خالق قادر مدبر؟
إننا إذا وجدنا ملحداً واحداً من علماء هذه العلوم وجدنا في مقابله عشرات المؤمنين بالله من كبار هؤلاء العلماء أنفسهم ، ولو أن علومهم قائمة على قاعدة الإلحاد ، أو تشتمل على براهين تنفي وجود الله لكان الأمر معكوساً تماماً ، ولأظهر لنا هؤلاء العلماء أدلتهم وبراهينهم ، ولأثبتوا لنا ذلك في مكتوباتهم ، بيد أننا نجد في أقوالهم الكثيرة ما يدعم قضية الإيمان بالله .
إلا أن حركة يهودية أرادت نشر الإلحاد في الأرض فتسترت بالعلمانية ، ونشطت عناصر منها فبثَّت نظريات من عند أنفسها وضعت خصيصاً لدعم قضية الإلحاد ، وكان ذلك ضمن مخطط يهودي شامل ، لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية المفرطة ، والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية كيما تهدِّم هذه الأمم أنفسها بأنفسها ، وعندئذ يخلو الجو – بحسب تصورهم – لليهود قلة في العالم ، ومتى خلا لهم الجو استطاعوا – كما يزعمون – أن يحكموا العالم كله حكماً مباشراً ظاهراً .
علماً بأن هؤلاء اليهود الذين تستروا بالعلمانية والبحث العلمي المحايد لم يقدِّموا نظريات تدعم قضية الإلحاد في العوم البحتة الخاضعة للاختبار والتجربة وتقويم النتائج ؛ وإنما قدموا نظريات أو فرضيات على الأصل في العلوم الإنسانية ذات الاحتمالات الكثيرة ، غير الخاضعة للاختبار والتجربة وتقويم النتائج ، وضمن نظرياتهم التي قدموها في علوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد وفلسفة النشوء والارتقاء دسوا قضية الإلحاد والكفر بالله ، تحقيقاً للمخطط اليهودي الشامل .
وهذا يوضح لنا أن قضية الإلحاد بالله قضية سياسية عالمية ، تخدم مصالح خاصة لفئات معينة من الناس ، وهذه الفئات تجند الذين يستجيبون لدعوتها ، ثم تقدمهم وقوداً لدعم سياستها وخدمة مخططاتها .
هذه في هذا العصر هي حقيقة المذهب الإلحادي المنظم الذي تدعمه قوى سياسية ذات ثقل في العالم ، أما الإلحاد الفردي الذي تدفع إليه دوافع إجرامية فجورية خاصة فهو موجود في كل عصر ، وكذلك نظرات الشك التي قد يتعرض إليها الإنسان في بعض مراحل من حياته ، هي أيضاً ذات طابع فردي غير منظم ولا مدعوم ، وليس لها قوى جماعية كبيرة تنصرها وتنشرها وتدعو الناس إليها ، لأن نظرات الشك في قضية الإيمان لا تحمل أصحابها قضية ذات رسالة تبشيرية ، ولا تستطيع هي في نفسها أن تجد أدلة تدعم قضية الإلحاد والكفر بالله ، وبذلك تبقى قضية الإلحاد قضية ساكنة صامتة في نفوس أصحابها ، لا دوافع تحركها ولا دلائل تدعمها .
بخلاف قضية الإيمان فإن وراءها دوافع تدفعها إلى الحركة والنماء والانتشار والبيان المستمر ، ومعها مئات الأدلة التي تدعمها ، وإن نظر إليها بعض الناس بشك في بعض مراحل حياتهم .
إن المؤمنين بالله لهم أدلة لا تحصى على ما آمنوا به ، وكل باحث منهم يتكشف له في موضوع اختصاصه طائفة من هذه الأدلة ، وهي تقدم له القناعة الكافية بأن الله حق .
أم الملحدون فليس لهم أدلة يمكن أن يعتمدوا عليها في نفس وجود الخالق جل وعلا ، إلا مجرد الارتباط بالمادة المدرَكَة بالحواس الإنسانية ، أو بالأجهزة التي توصل إليها الإنسان في القرن العشرين ، وهذا لا يستطيع أن يقدم أي دليل على النفي .
نحن نعلم أنه لا خوف على الحقائق الدينية الإسلامية من جدليات الملحدين ، لأنهم يجادلون بالباطل ليُدحضوا به الحق ، ولكن قد تؤثر جدلياتهم المشحونة بالتزييف على الناشئين المطبوعين بطابع الثقافات الحديثة ، الموجهة شطر مبادئ ومذاهب معينة ، وضعت خصيصاً لمحاربة الدين وهدم مبادئه الحقة .
وليس جدالهم بالباطل بدعاً في تاريخ المبطلين ، بل هي طريقة كل أهل الباطل ، ومن إبليس قائدهم إلى آخر جندي من جنوده ، وأصغر تابع من أتباعه ، كل منهم سائر على سُبُله ومتبع لخطواته .
وقد وصف الله الكافرين عموماً بأنهم يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ، فقال تبارك وتعالى في سورة (الكهف/18 مصحف/69 نزول):
{..وَيُجَادِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً}.
وهي طريقة لا سبيل لهم سواها ، ليؤيدوا أفكارهم ومذاهبهم ، وينصروا باطلهم ، ويُدحضوا الحق ، ما داموا قد التزموا في أفكارهم ومذاهبهم جانب الباطل ، وأصروا بعناد على رفض جانب الحق .
ولما انغمسوا بكفرهم في رذيلة خلقية خطيرة هي رذيلة جحود الحق ، كان لا غرو أن تجرهم هذه الرذيلة إلى رذائل خلقية أخرى ، منها أن يجادلوا بالباطل ، ويستخدموا كل ذكائهم في تزييف الحق ، ويقوم تزييفهم على اصطناع هياكل وهمية لمذاهبهم ، وهياكل وهمية لمذاهب خصومهم ، ثم يحملون حملاته الهجومية على هذه الهياكل التي اصطنعوها لمخالفيهم ، وعندئذ يسهل عليهم تحطيمها بسرعة ، لأنهم هم الذين اصطنعوا بأنفسهم ،ووضعوا فيها نقاط الضعف التي يسهل عليهم تهديمها من قبلها .
وقد يحاربون الدين كله من خلال رأي ضعيف قاله بعض الناس المنتسبين إلى الدين .
أو يحاربون الأديان كلها صحيحها وباطلها ، من خلال ما في بعضها من تحريف عن الأصل الرباني ، أو من خلال الأديان الباطلة التي تحمل اسم دين ، وهي في الحقيقة أوضاع إنسانية مخترعة ، وليست ديناً إلهياً .
وهذه الطريقة قد استخدمها الناقد (د. العظم) أقبح استخدام فيما زعم أنه نقدٌ للفكر الديني ، قال في الصفحة (21) من كتابه "نقد الفكر الديني":
"يجب ألا يغيب عن بالنا أنه مرت على أوروبا فترة تتجاوز القرنين ونصف القرن قبل أن يتمكن العلم من الانتصار انتصاراً حاسماً في حربه الطويلة ضد العقلية الدينية التي كانت سائدة في تلك القارة ، وقبل أن يثبت نفسه تثبيتاً نهائياً في تراثها الحضاري . ولا يزال العلم يحارب معركة مماثلة في معظم البلدان النامية ، بما فيها الوطن العربي ، علماً بأنها معركة تدور رحاها في الخفاء ولا تظهر معالمها للجميع إلا بين الفينة والأخرى ".
فهو في هذا يحشر الأديان كلها صحيحها وباطلها ويعتبرها جبهة واحدة ضد العلم ،ثم يوجه طعناته ضد ما في بعضها من باطل ، ثم يستنتج من ذلك أنها جميعاً أديان باطلة ، باعتبارها جبهة دينية واحدة ، وقد وجد بعضها باطلاً ، أو وجد في بعضها ما هو باطل .
فهل يقبل مثل هذه الحجة الساقطة من لديه أبسط قواعد الاحتجاج المنطقي ، التي تعرفها الأوليات الفكرية؟ إنها حجة مرفوضة بداهة شكلاً ومضموناً ، وحينما يعتبرها الملحد طريقة منطقية كافية للاحتجاج فإننا نستطيع أن نستخدمها سلاحاً ضد اتجاهه الذي يزعم أنه اتجاه علماني ، فنقول له : إن أصحاب الاتجاه العلماني جبهة واحدة ، ومن المعروف أن لهم مذاهب شتى متناقضة في معظم القضايا التي بحثوها وفق أصول البحث العملي الذي توصل إليه العلماء ، وفي كثير منها نظريات باطلة ، إذن فالاتجاه العلماني كله باطل .
مما لا شك فيه أننا لا نقبل هذا الكلام لأنفسنا ، ولكننا نكشف به فساد حجة الملحد الناقد للفكر الديني ، إذ نستخدم سلاحه ضد اتجاهه ، ونحن نرفض مثل هذا الاحتجاج أصلاً.
وصنيع الملحد في هذا تزييف مفضوح للحقيقة ، وتلاعب شائن في العمليات الفكرية ، واستهانة شنيعة بالمنطق الفكري لأجيالنا الناشئة من مثقفي هذا العصر ، فهل بلغ بهم الأمر أن تنطلي عليهم مثل هذه الحيلة من حيل التزييف الفكري ، حتى بدأ الملاحدة يستخدمونها في تضليلهم؟ أم فقد الملاحدة صوابهم حتى أخذوا يحتجون بما ليس فيه حجة ولا شبه حجة؟ إذ أفلست قواهم المادية في فرض مذاهبهم على الطلائع المثقفة في العالم الإسلامي ، لا سيما حينما وجدوا في هذه الطلائع المثقفة جماهير مؤمنة بالله ، تنصر الإسلام وتعمل له ،وتلتزم بأحكامه وتعاليمه .
ولعل الأمرين موجودين معاً ، فبعض أجيالنا الناشئة الموجهة ضمن البرنامج الإلحادي قد أمست مرجوجة الأصول الفكرية ، تخدعها الحيل المصبوغة بصبغ الثقافات المعادية للدين ، والمقنعة بقناع العلمانية الأكاديمية ، والمحاطة بهالة مزخرفة من العبارات التي احتلت مركزاً ارستقراطياً بين المجتمعات المثقفة ، على الرغم من أنها عبارات جوفاء ليس لها إلا طنين يخدع صغار العقول ، وبعض أجيالنا الناشئة المثقفة هي – بحمد الله – مؤمنة بالله مسلمة حقاً ، ذات منطق علمي سليم ، تعرف الحق ، وتناقش بالحق ، وتجادل بالحق ، وتناصر الحق حيث وجدته .
وأرجو أن لا يغيب عن بال سيادة (د.العظم) ومن هم على شاكلته أن كل اتجاه عام في الواقع الإنساني يوجد فيه فئات مختلفة ، ويوجد فيه أفكار متباينة ، فهل يعني وجود هذا الاختلاف بطلان الاتجاه العام من أساسه؟ أم واجب العاقل المنصف التمييز بين المحقين والمبطلين ، وبين الحق والباطل .
إن دين الله للناس دين واحد ، وهو دين الحق الذي اصطفاه لعباده ، وأنزله على رسله بحسب حاجات الأمم ، التي اقتضت أن ينزل إليها متدرجاً على طريقة التكامل ، وكان ختم هذا الدين بصورته الكاملة التامة في رسالة الإسلام الذي اصطفى الله لحمله للناس محمداً عليه الصلاة والسلام .
إلا أن الأديان الأولى لم يتوافر لها النقل الصحيح ، ودخل إليها عن طريق بعض أتباعها التحريف والتغيير في النصوص وفي العقائد ، فجعلها غير ممثلة للدين الحق ، غذ دخل إليها كثير من الباطل ، كما أن أدياناً حملت هذا الإسلام وهي صناعة بشرية غير ربانية ، أفتحشر هذه الأديان كلها بما فيها من حق وباطل ثم يصدر بحقها جميعاً أحكام تتناسب ما في بعضها من باطل ، أو أحكام تناسب ما في بعضها من حق؟؟
هكذا كان عمل (د. العظم) لدعم مذهب الإلحاد بالله وجحود اليوم الآخر .
ببالغ من التزييف الوقح بدأ الملحدون من أجراء صانعي الهزيمة العربية في عام 1967م يحمِّلون الدين وزور الهزيمة التي اصطنعوها ، وكانوا قبل المعركة وفي أثنائها قد عزلوا الدين عزلاً كلياً عن جميع ساحاتها ، حتى لم يبق له صوت ولا سوط يرتفعان ، ثم يقولون : إن سبب الهزيمة هو وجود رواسب من الذهنيات الدينية الغيبية الاتكالية عند الثوريين الذين قادوا المعركة .
وكل عارف بالحقيقة يعلم أن معركتهم لم تكن ضد العدو الباغي ، إن معركتهم معه لم تكن إلا معركة صورية أو شبه صورية ، أما معركتهم الحقيقة فقد كانت ضد الدين الذي يتابع كتابهم اليوم محاربته بالتزييف والتضليل ، بعد أن حاربوا دعاته بالتعذيب والتنكيل حرباً لا هوادة فيها .
لقد أفلست عمليات الاضطهاد في تحقيق كل ما يهدفون إليه ، فلجؤوا إلى أسلحة التضليل الفكري .
مما لا شك فيه أن معركة الإسلام مع الملاحدة العالميين الذين يتحركون بدفع آلي من القيادات اليهودية العالمية ذات مراحل ، كلما أنجزوا في تصورهم مرحلة منها انتقلوا إلى مرحلة أخرى .
لقد كانت معركتهم الأولى تهدف إلى إقامة الثورة الاقتصادية والاجتماعية كمرحلة أولى ، مع التزييف الفكري بعدم معارضتها للدين ، بغية تضليل الجماهير المسلمة بأن تغييراتها الاقتصادية والاجتماعية لا تمس جوهر العقائد الدينية التي تؤمن بها هذه الجماهير ، تخديراً لها وتبريداً لمشاعر النقمة التي قد تلتهب ضد ثورتهم ، وحين انتهت فيتصورهم هذه المرحلة وبلغت مداها المرسوم لها أخذوا يحضرون للمرحلة الجديدة ،وهي مرحلة نسف العقائد الدينية التي ظلت راسخة في قلوب كثرة كاثرة من الجماهير العربية ، بغية تغيير الإنسان العربي تغييراً كلياً ، حتى في مفاهيمه وعقائده وعواطفه القومية والتاريخية ، وسائر مشاعره ، وعندئذ يستطيع العدو المحرك من وراء الستار تطويعه وتسخيره واستعباده .
وهذا يفسر حملة مكتوبات الملحدين الجديدة ، التي تهدف إلى تحضير النفوس والأفكار للمرحلة الآتية من مراحل الحرب المستمرة .
قال الناقد (العظم) في كتابه في الصفحة (12):
"ولكن الواقع هو أن حركة التحرر العربي غيرت بعض ظروف الإنسان العربي الاقتصادية والاجتماعية ، ثم وضعت في نفس الوقت كافة العراقيل والموانع الممكنة في وجه حدوث أية تغييرات وتطورات موازية في ضمير الإنسان العربي وعقله ، وفي "نظرته للذات والحياة والعالم" ...".
ثم ذكر أن حركة التحرر العربي قد وقفت على رأسها بدلاً من قدميها فقال :
"عبَّرت هذه الوقفة (على الرأس بدلاً من القدمين) عن نفسها في السياسات الثقافية التي اتبعتها حركة التحرر العربي ، كما في أسلوب اهتمامها السطحي والمحافظ جداً بالتراث والتقاليد والقيم والفكر الديني ، مما أدى إلى عرقلة التغييرات المرجوة في الإنسان العربي نفسه ، وفي نظرته إلى الذات والحياة والعالم ، تحت ستار حماية تقاليد الشعب وقيمه وفنِّه ودينه وأخلاقه ، تحوَّل الجهد الثقافي لحركة التحرر إلى صيانة للأيديولوجية الغيبية ، بمؤسساتها المتخلفة ، وثقافتها النابعة من العصور الوسطى ، وفكرها القائم على تزييف الواقع وحقائقه".
أقل متأمل في هذا الكلام وأشباهه يتبين له أنه إرهاص واضح بمرحلة جديدة من مراحل الحرب اليهودية الماركسية العالمية ، ضد الإسلام داخل الوطن العربي ، لتحطيم الرصيد الباقي من أمل هذه الأمة في إمكان ظفرها على عدوها ، إذا هي استطاعت أن تتحرر من القيود ، وتستخدم ما لديها من طاقات محركة ، تصلها بدينها وأخلاقها وقيمها .
إنهم يمهدون بهذا للثورة الثقافية الفكرية التي تريد اقتلاع كل تراث مجيد للمسلمين ، حتى لا يبقى لهم أي أمل بالظفر على عدوهم ، وحتى لا يبقى لديهم أي نزوع لاستعادة مركزهم القيادي في العالم .
ومما يؤسف له أن العدو القابع وراء الحجب قد استطاع أن يشتري من سلالات هذه الأمة جنوداً مغفلين ، يدفع بهم إلى صف المواجهة ، ويحملهم الأسلحة الفتاكة ضد أمتهم وأقوامهم وأمجادهم ، وأخيراً ضد أنفسهم ، لأن العدو سيتخلص منهم متى استنفد طاقاتهم ، وصاروا في نظره كالثور الذي يأكل كثيراً ، وهو لا يحرث أرضاً ، ولا يسقي زرعاً ، ولا يدفع كيداً ولا يدرّ بِلَبن .
وماذا ترجو الأمة ممن باع نفسه لعدوه وعدوها ، ورضي بأن يكون سلاحاً نجساً مصلتاً عليها في أيدي الخنازير؟!
وحين نتساءل : كيف استطاع العدو أن يشتري هؤلاء الجنود ، وأن يسرقهم من أحضان أمتهم ، ليسخرهم هذا التسخير الخبيث الذي لا يرضى به الهمجيون البدائيون ، فضلاً عن المثقفين الذين يدعون التقدمية ، ويلقبون أنفسهم بالطلائع المتحررة؟
فإن الجواب يأتينا من الواقع بأن العملة التي يشتري بها العدو شباباً من أجيالنا الناشئة . ثم يجندهم في صف المواجهة ضدنا ، هي عملة تبذل للأهواء والشهوات بغير حساب ، أما مادتها فالمرأة الفاجرة ، والشهوة العاهرة ، والخمرة المضلة ، والرشوة المذلة ، ومطامع المال والسلطان ، وأحياناً أوراق مجد علمي تُمنح على صفة شهادات عليا ، ويجري ضمن ذلك كله عمليات تغيير كلي لجهاز التفكير ، وتغيير كلي في المختزنات العاطفية ، وتبديل تام أو ناقص لعناصر الكيان الذاتي التي هي قوام الشخصية .
وبعد هذا التغيير والتبديل تتم عملية التجنيد الطوعي ، أو التجنيد المسوق بالسلاسل ، والمدفوع بالسياط اللاهبة ، خوف الحرمان والفضيحة ، وأخيراً خوف القتل بأي سبب ظاهر أو خفي .
وما التقدم والعقلانيات والبحث العلمي والنظرة الأكاديمية إلا ألفاظ وشعارات تستعمل في الأقوال فقط ، وليس لمدلولاتها الحقيقية واقع معتبر لديهم .
تزييف في الألفاظ ،تزييف في الحقائق ، تزييف في المعارف ، تزييف في الرجال ، تزييف في المؤسسات الصغرى والكبرى ، تزييف في الدول وتكوين الأمم والشعوب ، هذه هي خطتهم .
وغرضهم الحقيقي تدمير الأمة الإسلامية وفي مقدمتها الشعوب العربية تدميراً يشمل ما يسمونه في مصطلحاتهم : "البنية الفوقية – البنية التحتية – الأصعدة العليا – الشرائح الوسطى ، والجانبية والعلوية والسفلية" إلى آخر هذه المصطلحات الإيهامية ، التي يقذفونها للتغطية حيناً ، وللتهويل حيناً آخر ، وللتظاهر بارتقاء المستوى الفكري أمام الذين لم تتجاوز عقولهم طور مراهقتها ، بغية السيطرة الفكرية عليهم ، وتقييدهم بمصطلحات يتميزون بها ، ويدسون في المراد منها ما شاءوا .
وجملة هذه المصطلحات تدور حول عقائد المسلمين ومفاهيمهم الإسلامية والأخلاقية والاجتماعية ، وحول مستويات المجتمع الإسلامي على اختلافها ، فهم يشرحونه إلى شرائح وفق مخططهم ، ويوجهون لكل شريحة وسائل تدميرها ، ويركزون معظم طاقاتهم لتدمير العقائد والمفاهيم والأخلاق وسائر القيم والتطبيقات الإسلامية ، ومراكز حماية كل هذه الأثقال التي تقف في طريق تسلطهم الكامل على الأمة الإسلامية وشعوبها المختلفة .
وانطلت حيلة التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تتعارض مع الدين ولا تمس عقائده ومفاهيمه الأساسية كما زعم أجراؤهم والمنخدعون بهم .
وتجند لمؤازرتها ومناصرتها فريق الطامعين ، وسارت من ورائهم جماهير العمال والفلاحين وصغار الكسبة ، وقادة المسير صنائع وأجراء من طبقة القيادات المثقفة ، الذين استطاعوا أن يشتروهم أو يغرروا بهم ، إذ وجدوا في نفوسهم مواطن ضعف نؤهلهم لهذه العمالة .
وقامت الثورة ، ورافق إقامتها حملة عنيفة من ضجيج الوعود الكبيرة بتحقيق النصر المنشود ، وسارت وفق المخطط الذي رسم لها ، وفي الوقت المناسب سيقت إلى خيبة كبرى حملت آلام نتائجها الأمة العربية والأمة الإسلامية من ورائها .
وأزيح الستار عن الفصل الأول من التمثيلية ، وطلع الملحد العميل يقول : إن الهزيمة قد كانت بسبب وجود رواسب من الذهنية الدينية لدى القيادات الثورية في حركة التحرر العربي ، وبسبب عدم التغيير الشامل في تركيب المجتمع كله ، لأن التغيير الاقتصادي والاجتماعي لا يكفي لتحقيق النصر ، بل لا بد من تغيير يشمل المبادئ والعقائد والتقاليد وسائر المواريث القائمة في المجتمع العربي .
هلمَّ إذن إلى هذا التغيير ، لتفقد الأمة العربية كل كيانها وكل مقوماتها ، وعندئذ تسقط سقوطاً كاملاً في يد عدوها ، الذي يستعبدها ويسخرها فيما يريد .
وهذا هو ما يهدف إليه العدو في خطته ضمن حربه الشاملة للإسلام والمسلمين .
وجاءت حرب رمضان (تشرين أول- أكتوبر) في عام 1973م فأظهرت للناس جميعاً أن الإسلام لما دخل في المعركة دخولاً اسمياً وبصورة جزئية ظهرت في الأمة العربية بطولات حقيقية لم يكن لها وجود مطلقاً في حرب (حزيران-يونية) عام 1967م ،وكان من نتيجتها تحول جزئي لصالح الأمة العربية ، وكان في هذا تكذيب واقعي لمفتريات الملحد الماركسي العميل .
وقد يبدو عجيباً أن يوجه هؤلاء الملاحدة الماركسيون انتقادهم لحركة التحرر العربي وقياداتها الثورية ، إذ لم تقم بتغيير شامل في مجال سلطانهم ، يتناول كل إرث الأمة العربية ، من عقائد ومبادئ وأخلاق وعادات ومفاهيم ومشاعر نحو أمجادهم وتاريخهم .
ولكن هذا العجب ينتهي تماماً حين نعلم أن المخططات المرحلية للحروب الحديثة التي يحركها أساطين المكر العالميون لا تهتم بالأشخاص ولا بالمنظمات .
إن الأشخاص والمنظمات وسائر الأدوات المرحلية هي بمثابة جسور توضع لتنسف متى تم العبور عليها ، حتى لا يعود عائد عن طريقها إلى المنطلق الأول ، وكل من يقدم نفسه جسراً لها من أشخاص أو منظمات فليعلم أنه سينسف بدداً متى استنفد الماكرون أغراضهم ومنه ، وعندئذ لا يجد عاطفة تحنو عليه ، ولا وفاء يستقبله .
وكل لاحق من هذه الجسور المرحلية لا بد أن يؤدي وظيفة تهديم من سبقه وانتقاد أعماله ، ليقدم تبريراً لمرحلته الجديدة ، وليمحو من الأذهان ما ترسب فيها من مفاهيم كان يقدمها السابق .
وكل ذلك في ترتيب الخطة العامة أزياء فكرية مرحلية ، يجب تغييرها لدى تنفيذ المرحلة التالية ، إلا أنها تمهيد ضروري لها .
وليس لها منا مجرد تحليلات ذهنية ، وتقديرات خيالية ، بل مكتوبات العدو السرية تنص عليه بصراحة لا تقبل التأويل .
مسكينة هذه الجسور البشرية كيف تقدم خدماتها الجلي للشياطين ، لتقدم أنفسها فيما بعد ضحايا لهم ، وليس لها منهم عبر الرحلة القاسية الشاقة إلا الإباحيات المختلفات ، والمواعيد الكاذبات ، وأنواع من المساعدات للتسلط على أمتهم في الأدوار المرحلية .
ولتحويل الأنظار عن العدو الحقيقي بدأ الملاحدة الماركسيون يهونون من أمر مكايد الاستعمار ، ومكايد الصهيونية العالمية ، ويوجهون كل اهتمامهم لميراث الأمة العربية من قيم وأخلاق ومبادئ وعقائد وعادات وتقاليد ومفاهيم ، ويحملون هذا الميراث وزر تخلف هذه الأمة ، ووزر الهزيمة العسكية التي صنعتها التقدمية العربية بأيديها ، سيراً مع المخطط المرسوم لها .
ومع أن الماركسيين كانوا مع الذين حملوا شعارات محاربة الاستعمار في الوطن العربي ، إلا أن ذلك قد كان منهم خطة مرحلية ، أما اليوم فالصهيونية العالمية ليست عدوة لهم ، إن عدوهم الأكبر عقائد الإسلام ومبادئه ، ومفاهيمه وتشريعاته ، وما له من رصيد كبير في الجماهير العربية ، لأن هذه هي العدو الأكبر لليهودية العالمية ، ومن يسير في ركابها أو يتأثر بدسائسها .
قال الناقد (د. العظم) في كتابه "نقد الفكر الديني" في الصفحة (13):
"قامت حركة التحرر بتجريد العلاقة الاستعمارية في حياة الوطن العربي عن جملة الظروف التاريخية ، والأوضاع الاجتماعية العربية المتشابكة معها ، والمحيطة بها إلى درجة جعلت "الاستعمار" يبدو وكأنه الحقيقة المباشرة الوحيدة الماثلة في مجرى الأحداث في المنطقة والمحركة لها . أي : كان هناك اختلال أساسي في التوازن بالنسبة لنظرة حركة التحرر إلى نفسها وواقع مجتمعها ، وإلى أعدائها والعالم الخارجي المحيط بها ، بصورة عامة . بالغت عملية التجريد هذه في تبسيطها للواقع التاريخي المعقد ، مما جعل (الاستعمار) – أحياناً الصهيونية العالمية – يبدو وكأنه القوة الوحيدة المتحكمة ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، بحركة المجتمع العربي ، وبالبيئة التي تثير ردود فعله . أدى هذا القصور إلى ما يشبه الإهمال التام لأوضاع القوى والمؤسسات والتنظيمات والمجهودات الذهنية الموجودة دوماً في التركيب الاجتماعي (العربي) والفاعلة باستمرار في حياته ، والمهمة أيضاً في تحديد ردود فعله وأنماط سلوكه الجماعية والفردية . إن الوجه الآخر لعملة تجريد العلاقة الاستعمارية على هذا النحو هو التعصب للوهم المثالي الكبير القائل: بأن الأيديولوجيات الغيبية والفكر الديني الواعي الذي تفرزه مع ما يلتف حولها من قيم وعادات وتقاليد ... إلخ هي حصيلة للروح العربية الخالصة الثابتة عبر العصور ، وليست أبداً تعبير عن أوضاع اقتصادية متحولة ، أو قوى اجتماعية صاعدة تارة ونازلة تارة أخرى ، أو بنيات طبقية خاضعة للتحول التاريخية المستمر ، ولا تتمتع إلا بثبات نسبي".
ألا يمثل هذا الكلام وقاحة بالغة النهاية ، لا يفعلها إلا أجير ذليل باع نفسه للصهيونية العالمية عن طريق الإلحاد الماركسي؟!
ولا يشك خبير بحقائق الأمور أن سبب تخلف العالم العربي هو هجره لمفاهيم الإسلام الصحيحة المتقدمة جداً ، ثم تعلقه بوافدات تفد إليه من أعدائه ، الذين يخشون أن يصحو من نومه العميق ، ويستمسك من جديد بإسلامه ، ويثب وثباته المدهشة ، ويحتل قيادة العالم مرة ثانية .
أما الوافدات الوبائية التي تفد إلى بلاد المسلمين من خارج حدودهم فالذين يحملونها بأمانة تامة للعدو وخيانة تامة لأمتهم وتاريخهم معروفون تماماً ، وأقوالهم وأعمالهم تدل عليهم ،ولئن اختفوا حيناً فلا بد أن يظهروا بعد حين .
يقول الناقد (د. العظم) في الصفحة (9) من كتابه:
"تبيَّن أيضاً بعد هزيمة (1967م) أن الأيديولوجية الدينية على مستوييها الواعي والعفوي . هي السلاح (النظري) الأساسي والصريح بيد الرجعية العربية في حربها المفتوحة ، ومناوراتها الخفية على القوى الثورية والتقدمية في الوطن".
ويقول أيضاً:
"يلعب الفكر الديني دور السلاح (النظري) المذكور عن طريق تزييف الواقع وتزوير الوعي لحقائقها : تزييف حقيقة العلاقة بين الدين الإسلامي – مثلاً – والعلم الحديث . تزييف حقيقة العلامة بين الدين والنظام السياسي مهما كان نوعه ".
إنه في هذا يخص الإسلام بالذكر إعلاناً عن غرضه الذي يهدف فيه إلى تهديم الإسلام وإطفاء نوره ، عن طريق التهجم الصريح المقرون بالشتائم التي يطلقها زوراً وبهتاناً على الدين .
ونحن لا ننتظر منه ومن كل الملحدين وسائر أعداء الإسلام غير هذا ، فهم يتميزون غيظاً منه كل يوم ألف مرة ، لأنه حق قوي كاشف لزيف المبطلين ، وكما يقول هذا الكاتب نفسه في أول كلامه في المقدمة عن الفكر الديني :
"من نافل القول أن هذا النوع من الفكر يسيطر إلى حد بعيد على الحياة العقلية والشعورية للإنسان العربي ، إن كان ذلك بصورة صريحة وجلية ، أو بصورة ضمنية لا واعية".
وقبل أن نفند أقواله عن الدين وعن الفكر الديني الصحيح غير المزيف ، وأمام حملات الكذب والشتائم الوقحة ، نقول ما قال الله تعالى في سورة (التوبة/9 مصحف/113 نزول):
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ}.
أي : يريدون مرادات كثيرة ، ويتخذون أسباباً متعددة ، ليطفئوا نور الله العظيم بأفواههم ، بأكاذبيهم وشتائمهم وأباطيلهم وافتراءاتهم ومغالطاتهم ونظرياتهم العلمية الباطلة ، والله مُتم نورِه رغم كل محاولاتهم الفاشلة ، ولو كرهوا ذلك وتميزوا منه غيظاً .
أما ادعاؤه "بأن الفكر الديني يلعب دور السلاح (النظري) عن طريق تزييف الواقع ، وتزوير الوعي لحقائقه" ، فمجرد شتائم يطلقها تعبيراً منه ومن رفاقه وسادتهم المديرين لحركاتهم عن مدى غيظهم من الإسلام ، وعن مبلغ حقدهم عليه ، وعلى المسلمين الملتزمين بإسلامهم .
وأنت خبير أن الشتائم ليس لها في ميادين الجدل المنطقي مقام . فمن قلت له : أنا موجود هنا أخاطبك ، هلُمَّ فناظرني ، فقال لك : هذا تزييف للواقع ، أنت مزور للحقيقة كاذب ، تريد أن تضللني وتزور وعيي ، أنت وهم ، أنت خيال ، أنت ليست شيئاً حقيقياً ، فمباذا ترد عليه؟ وبماذا تجيبه؟
لا جواب له عند العقلاء إلا الإعراض عنه ، أما الدخول معه في حرب الشتائم فصناعة الغوغائيين ، لا صناعة الجدليين المفكرين الذين ينشدون الحق .
وهذا هو سبيلنا مع أي عدو من أعداء الإسلام ، أعداء الحق ، حينما يوجه له شتيمة : "تزييف الواقع وتزوير الوعي لحقائقه" دون أن يقدم براهين صحيحة تثبت دعواه .
ولكنه حينما يقدم ما يراه دليلاً وحجة فإننا لا نسكت عن مناقشتها ونقضها وبيان المغالطات فيها .
وأما ادعاؤه : "أن الدين هو السلاح النظري الأساسي والصريح بيد الرجعية العربية ، في حربها المفتوحة ومناوراتها الخفية على القوى الثورية والتقدمية في الوطن".
فلا شأن للإسلام حقيقة في هذا ، والحق قد يتستر به المبطلون من كل جانب ، ولا يضير الطود المنيع أن يتستر في ظله من الواديَين فريقان متصارعان متضادان في مذاهبهما .
أما التقدمية والرجعية والثورية وغير الثورية فألفاظ يطلقونها بأفواههم وفق أهوائهم .
لقد استخدموا الإباحية الفكرية واللفظية أسوأ استخدام ، فقد يطلقون عبارة التقدمية على أقبح الرجعيات الفكرية والسلوكية ، فالقتل والسحق والتمثيل بالقتلى والتشويه والتعذيب الذي لا يخطر على بال كبار المجرمين ، والسلب والنهب وهتك الأعراض ، وكل الموبقات تقدمية ، مع أنها غاية في الهمجية الممعنة في الرجعية التاريخية ، التي ترجع إلى الوحشية البهمية ، وتجرُّع قوارير (الفودكا) حتى الارتماء على قمامات الشوارع هي في نظرهم تقدمية ، مع أنها في الحقيقة رجعية إلى ما دون مستوى البهائم وأضل سبيلاً ، والكفر بالله والإلحاد به تقدمية في نظرهم ، مع أن الكفر بالله من رجعيات القرون الأولى . أما الصدق والأمانة والمحبة الإنسانية والإخاء وحسن المعاملة وسائر مكارم الأخلاق وفضائل السلوك فهي في نظرهم وتسمياتهم رجعيات ، وهي أمور سخيفة يجب تركها والاستهانة بها .
أليس هذا التلاعب بالحقائق تنفيذاً للمخطط اليهودي الشامل ، الذي يعمل على تجريد الأمة الإسلامية من كل قواها المقوّمة لكيانها ، حتى تفقد كل مقاومة ضد عدوها ، وتستلم لها استسلاماً كاملاً على ذل وضعة وعبودية؟
وهؤلاء الملاحدة هم من أخطر جنود تنفيذ هذه الخطة اليهودية العامة ، ولا ضيرإذن أن يكون الإسلام سلاحاً ضدهم لأنهم أعداؤه ، وهم ومبادئهم وأفكارهم ومخططاتهم أسلحة فتاكة مسلطة ضد الإسلام ومبادئه وعقائده وتشريعاته والمؤمنين به .
وفي كلام الماركسيين عن الرجعة العربية مغالطة قائمة على التعميم ، فحينما يطلقون عبارتي الرجعية والرجعيين فإنهم يقصدون الإسلام والمسلمين ودعاته وحماته ، ويقصدون أيضاً سائر الأنظمة العالمية المخالفة للنظام الماركسي ، وحماة هذه الأنظمة والمستفيدين منها ، وفي ضمن هذا التعميم المقصود يقذفون مغالطاتهم ، إذ يوهمون بأن الإسلام في نظرياته ومفاهيمه وتشريعاته يدعم النظام الرأسمالي مثلاً ، أو يدعم أنظمة الحكم الدكتاتورية ، مع أن موقف الإسلام من الأنظمة الرأسمالية المخالفة له مثل موقفه من الأنظمة الماركسية ، يخالف هذه وتلك ، ويقاوم هذه وتلك ،ولا يدعم هذه ولا تلك ، إن الإسلام نظام غيرهما جميعاً .
هذه هي حقيقة الإسلام التي تشتمل عليها نصوصه ، ويعترف بها المسلمون الصادقون ، ولكن ما نصنع بالذين يستغلون اسم الإسلام لنصرة مذاهبهم التي تخالف الإسلام وهو لا يعترف بها؟
هذا عيب في الناس وليس عيباً في الدين نفسه ، ونفاق الناس للمذاهب والأنظمة ، وتسترهم بها ، واحتماؤهم بقواها ، موجود في كل موقع فكري أو جماعي ، ولا يمكن أن يدفعه إلا نظام صحيح ثابت ، له في الأرض قوة تحمي مبادئه بحق ، وتكشف باستمرار المزيفين الذين يستخدمون اسمه وقوة الجماهير التي تنتسب إليه لدعم انحرافاتهم .
فبالنفاق والتزوير والمخادعة قد يستخدم النظام الماركسي اسم الإسلام سلاحاً لدعم نظامه وحمايته ، إذا وجد جماهير تنخذع بنفاقه وتزويره ، ووجد أجراء وصنائع تزين أمام الجماهير نفاقه وتزويره وتتلاعب بمفاهيم الإسلام وفق أهوائه ، ولا يكون هذا بحال من الأحوال جريرة تلتصق بالإسلام أو عيباً ينسب إليه ، فالإسلام من نفاق المنافقين وتزوير المزورين بريء .
وبالنفاق والتزوير والمخادعة قد يستخدم نظام رأسمالي اسم الإسلام سلاحاً لدعم نظامه وحمايته ، إذا وجد جماهير تنخدع بنفاقه وتزويره ، ووجد أجراء وصنائع تزين أمام الجماهير نفاقه وتزويره ، وتتلاعب بمفاهيم الإسلام وفق أهوائه ، ولا يكون هذا بحال من الأحوال جريرة تلتصق بالإسلام أو عيباً ينسب إليه ، فالإسلام الحق بريء من نفاق المنافقين وتزوير المزورين وتلاعب المتلاعبين .
&