عرض المقال :أبرز مظاهر تكريم الإسلام للعقل واهتمامه به
  الصفحة الرئيسية » مـقـالات الموقـــع » الرد على شبهات حول الإسلام » الرد على الشبهات العقلانية للملاحدة

اسم المقال : أبرز مظاهر تكريم الإسلام للعقل واهتمامه به
كاتب المقال: الحقيقة

أبرز مظاهر تكريم الإسلام للعقل واهتمامه به

من كتاب :نقض أصول العقلانيين

 

كتبه / سليمان بن صالح الخراشي

قد أبرز الإسلام مظاهر تكريمه للعقل واهتمامه به في مواضع عدة نذكر منها:-

أولاً: قيام الدعوة إلى الإيمان على الإقناع العقلي :

فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يطفئ مصباح عقله ويعتقد بل دعاه إلى إعمال ذهنه وتشغيل طاقته العقلية في سبيل وصولها إلى أمور مقنعة في شؤون حياتها، وقد وجه الإسلام هذه الطاقة بتوجيهات عدة لتصل إلى ذلك :

1-               فوجهها إلى التفكر والتدبر.

أ‌-                   في كتابه .

(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) .

ثم يستثير العقل الإنساني ويتحداه أن يأتي بمثل هذا القرآن حتى إذا ما أدرك عجزه عرف أنه من عند الله (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (فليأتوا بحديثٍ مثله إن كانوا صادقين) .

ب‌-             وفي مخلوقاته :

(الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون) (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) .

ثم يتحدى العقل بحواسه أن يجد خللا في شيء منها ليزداد بعد عجزه إيماناً وتسليماً (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير)

ج‌-               وفي تشريعاته :

(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) .

فأمر بالتفكر في تلك التشريعات لتحري الحكمة فيها لأن الحياة لا تسير آلية بحيث تنطبق عليها القاعدة التشريعية انطباقاً آلياً، وإنما هناك مئات من الحالات للقاعدة الواحدة، وما لم يكن الإنسان مدركاُ للحكمة الكامنة وراء التشريع وفاهماً لترابط التشريعات في مجموعها فلن يتمكن من تطبيقها في تلك الحالات المختلفة التي تعرض للبشر في حياتهم الواقعية وقد عني الإسلام بإيقاظ العقل لتدبر هذه التشريعات ليستطيع تطبيقها على خير وجه.

د‌-                 وفي أحوال الأمم الماضية وما أدت بهم المعاصي إليه :

(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) .

هـ-   وفي الدنيا ونعيمها الزائل:

(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً) .

وهذا التأمل والتدبر ليس هو المقصود لذاته وإنما ليؤدي ثمرة نافعة لا أعني بها فلسفة يتشدق بها الفلاسفة ويتبارون في إغماض الكلام فيها وإبهامه ثم لا ينتهون إلى شيء، وإنما أعني بها الإصلاح … إصلاح القلب .. إصلاح العقيدة… إصلاح الحياة في الأرض على منهج الدين الصحيح.

2-ووجه الإسلام الطاقة العقلية لمراقبة نظام الحياة الاجتماعية مراقبة توجيه وإصلاح لتسير الأمور على منهج صحيح (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) .

وحمل المسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع وهدده بالعقاب إذا علم ولم يصلح ولو كان صالحاً في نفسه (واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).

وقال e ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) .

ثانياً: ولم يقصر الإسلام بعد هذا العقل على الإيمان وإنما ترك له الخيار بين الإيمان والكفر (لا إكراه في الدين) (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر) فلم يكره الإسلام العقل على الإيمان([1]) .

ثالثاً : وحرص على قيام العلاقة بين العبد وربه على الوضوح العقلي في العقيدة والشريعة وعدم تقييده له بعد اقتناعه وإيمانه بالرهبانية فلا رهبانية في الإسلام([2]) لما فيها من تقييد للعقل([3]) فضلاً عن الغرائز والحواس ولما فيها من تعطيل للطاقة والقوى البشرية والمخالفة لنظام الحياة مخالفة تقضي بالفناء على البشر فيما لو اعتنق الناس الترهب والانعزال ديناً.

رابعاً: ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل نعيه على المقلدين الذين لا يُعملون أذهانهم وحذر من التقليد الأعمى والتعصب الأصم لنظريات واهية وآراء زائفة ناشئة عن الخرافات والأهواء (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا) (فلا تكُ في مريةٍ مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) .

وأمر بالتثبت في كل أمر قبل الاعتقاد به واقتفائه (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) .

خامساً : ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل أمره بالتعلم والحث على ذلك فكما أن نمو الجسم بالطعام فإن نمو العقل بالعلم إذ بهذا يكون الإيمان عن إدراك أوسع وفهم أعمق وإقناع أتم، بل قرن سبحانه ذكر أولي العلم بذكره عز وجل وذكر ملائكته (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (إنما يخشى الله من عباده العلماءُ) (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتٍ) .

وجعل العلم مشاعاً لأنه غذاء العقل الذي به ينمو (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم).

لذا لم يعرف الإسلام ((رجل الدين)) الذي يحتكر علومه ويعطي صكوك الغفران ويملك التحليل والتحريم ولكنه يعرف فكرة ((عالم الدين)) الذي يرجع إليه لمعرفة حكم الله فيما اشتبه على الناس من أمور دينهم مستنداً إلى دليل معتبر شرعاً من غير إلزام إلا بحجة قطعية من كتاب أو سنة أو إجماع مسلم به.

سادساً: ومن ذلك إسناده استنباط الأحكام فيما لا يوجد فيه نص من كتاب أو سنة أو إجماع إلى العقل وما حديث معاذ عنا ببعيد حين بعثه الرسول e إلى اليمن قاضياً قال : ((كيف تقضي يا معاذ؟)) قال : بكتاب الله قال: ((فإن لم تجد)) قال : سنة رسول الله. قال : ((فإن لم تجد)) قال : أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله e صدره وقال : ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)) ([4]) فجعل من اجتهاد العقل أساساً للحكم وقاعدة للقضاء عند فقدان النص .

سابعاً : ومنها الأمر بتكريمه والمحافظة عليه والنهي عن كل ما يؤثر في سيره أو يغطيه فضلاً عما يزيله.

فحرم لذلك شرب الخمر (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من علم الشيطان فاجتنبوه) وحرم كل مسكر ((كل مسكر خمر وكل مسكر حرام))([5]) وامتد التحريم إلى الكمية التي لا تسكر منها ((ما أسكر كثيره فقليله حرام))([6]) كل هذا حفاظاً على العقل وعلى بقائه .

وجعل الدية كاملة على من تسبب في إزالته عن آخر، قال ابن قدامة (لا نعلم في هذا خلافاً وقد روي عن عمر وزيد رضي الله عنهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء وفي كتاب النبي e لعمرو بن حزم ((وفي العقل الدية)) ولأنه أكبر المعاني قدراً وأعظم الحواس نفعاً فإن به يتميز من البهيمة ويعرف حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس) ([7]) .

ولكن الإسلام بعد هذا التكريم كله وذلك الاهتمام قد حدد للعقل مجالاته التي يخوض فيها حتى لا يضل. وفي هذا تكريم له أيضاً لأنه محدود الطاقات والملكات فلا يستطيع أن يدرك كل الحقائق مهما أوتي من قدرة وطاقة على الاستيعاب والإدراك، لذا فإنه سيظل بعيداً عن متناول كثير من الحقائق وإذا ما حاول الخوص فيها التبست عليه الأمور وتخبط في الظلمات وفي هذا مدعاة لوقوعه في كثير من الأخطاء وركوية متن العديد من الأخطار .

فأمر الإسلام العقل بالاستسلام والامتثال للأمر الشرعي الصريح حتى ولو لم يدرك الحكمة والسبب في ذلك، وقد كانت أول معصية لله ارتكبت بسبب عدم هذا الامتثال فحينما أمر الله سبحانه وتعالى إبليس بالسجود لآدم عليه السلام استكبر وعصى واستبد برأيه فقارن بين خلقه وخلق آدم عليه السلام (قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين) فلم يمتثل للأمر طلباً للسبب الذي يسجد لأجله الفاضل للمفضول حسب رأيه، فلما لم يدرك عقله السبب رفض الامتثال فكانت المعصية وكانت العقوبة .

لذا منع الإسلام العقل من الخوض فيما لا يدركه ولا يكون في متناول إدراكه كالذات الإلهية والأرواح في ماهيتها ونحو ذلك فقال عليه الصلاة والسلام ((تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله)) ([8]) وقال e : ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله ورسله)) ([9]) . وعن الروح قال تعالى: (يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فصرف الجواب عن ماهيتها لأنه ليس من شؤون العقل السؤال عنها ولا من مداركه وكذلك الجنة ونعيمها والنار وجحيمها وكيفية ذلك وغيرها من المغيبات التي ليست في متناول العقل ومداركه)) ([10]) .

ويقول الشيخ ناصر العقل –حفظه الله-: ((قيمة العقل في الإسلام)):

قد يتبادر لأذهان البعض، عند ما يقرأ مثل هذا البحث، في ذم الاتجاهات العقلية – أن الإسلام، يمقت العقل والفكر، أو يستنقص منهما ويهضمهما قيمتهما، وأننا إنما نذم أصحاب الاتجاهات والفرق العقلية لمجرد أنهم استعملوا عقولهم، التي وهبهم الله .

والحق: أن الأمر ليس كذلك، لأن الإسلام بحق قد رفع قيمة العقل وأعلى من شأنه، وجعل التعقل والتفكير فريضة إسلامية، يلزم كل مسلم أن يؤديها حقها، وجعل العقل هو مناط التكليف، ونعى على أولئك الذي لم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق والهداية، فهلكوا . (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير) ([11]) .

وإذا كان العقل هو وسيلة النظر، ووسيلة التفكير والتدبر، فقد جعل الله ذلك كله واجباً، مفروضاً على كل إنسان ومن تركه فهو آثم لا محالة قال تعالى: (فسيروا في الأرض فانظروا) ([12]) .

وقد وردت في مواضع كثيرة .

وقال تعالى في ذم الذين لا يعقلون :

(وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون) ([13]).

وقد ورد هذا التوبيخ (أفلا تعقلون) في القرآن أكثر من أربع عشرة مرة.

وقال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) ([14]). وقد وردت في القرآن (لعلكم تعقلون) أكثر من سبع مرات.

وقال تعالى: (ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون) ([15]) .

وقال تعالى :

(كذلك نفصل الآيات لقومٍ يعقلون) ([16]) .

وإذا كان العقل وسيلة النظر والاعتبار فقد قال تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار)([17]).

وقال تعالى :

(قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) ([18]).

وكذلك الأمر بالتفكر، قال تعالى :

([1]) ولا يقصد بلا إكراه في الدين- التقليل من شأن الجهاد كما حصره بعضهم بأن المراد به الدفاع وعللوا كل حركة بأنها للدفاع بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق فأسقطوا – وهم مشتطون في حماسة الدفاع عن الإسلام ضد من اتهموه بأنه دين السيف – إن للإسلام بوصفه المنهج الأخير للبشرية حقه الأصيل في أن يقيم ((نظامه)) الخاص في الأرض. فـ(لا إكراه في الدين) من ناحية العقيدة أما من ناحية إقامة ((النظام الإسلامي)) ليظلل البشرية كلها مسلمين وغير مسلمين فتوجب الجهاد لإنشائه وترك الناس أحراراً في عقائدهم الخاصة ولا يتم هذا إلا بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام خير يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة وحرية الاعتقاد في الأرض)) أ هـ.

     ((بتلخيص من خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)) لسيد قطب ص 18 .

([2]) لما روى أحمد في مسنده 6/226 ((….فقال يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أفمالك فيَّ أسوة.. الحديث ولما روى الدارمي في سننه ك النكاح ب3 من حديث سعد بن أبي وقاص قال ((… يا عثمان إني لم أؤمر بالرهبانية أرغبت عن سنتي)) وعثمان هذا هو ابن مظعون رضي الله عنه .

([3]) ولا يصح القول بأن الرهبانية تفتح آفاق العقل وتضمن له الصفاء للتفكير بل النـزول إلى معترك الحياة هو الذي يزيد العقل اشتعالاً ويوري زناده ويفتح له أبواب التفكير عكس الرهبانية التي تخبو فيها نار العقل لانطواء صاحبها على نفسه واعتزاله المجتمع، فتؤدي إلى خمود الذهن وعدم الاطلاع على المعارك الضارية بين الخير والشر وبين الإيمان والكفر وعلى كيد الملحدين ومكر الماكرين والرد على ذلك والنـزول إلى معتركهم وحلبتهم .

([4]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي، و ضعفه الألباني في (السلسلة الضعيفة 2/274) لإرساله وجهالة بعض رواته في بحث طويل له.

([5]) رواه مسلم .

([6]) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حسن غريب وابن حبان .

     وصححه وقال الحافظ بن حجر رجاله ثقات (صحيح أبي داود 3128) .

([7]) المغني لابن قدامة (8/37).

([8]) رواه أبو نعيم في الحلية وابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص 159 وأسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكتسب قوة والمعنى صحيح. والحديث صححه الألباني    –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (1788) .

([9]) رواه البخاري ومسلم .

([10]) منهج المدرسة العقلية (29-39) وكتاب الدكتور الرومي هذا من أجود الكتب التي درست منهج المدرسة العقلية في التفسير .

([11]) (10-11) الملك .

([12]) (36 النحل) .

([13]) (80 المؤمنون) .

([14]) (2 ، يوسف) .

([15]) (62، يس) .

([16]) (28، الروم) .

([17]) (2 ، الحشر) .

([18]) (101 ، يونس) .

 (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) ([1]). (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) ([2]). (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جِنّة) ([3]) . (أولم يتفكروا في أنفسهم) ([4]).

وقد ذكر التفكر في القرآن في أكثر من سبعة عشر موضعاً . وقد ذم الله أولئك الذين يتابعون آباءهم دون تعقل ولا تفكير . فقال: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) ([5]).

وقال تعالى:

(إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يُهرعون) ([6]).

والإسلام إنما كرّم الإنسان وفضله على سائر المخلوقات بل جعله سيد الكون بالعقل، وبالعقل سخّر له ما في السماوات وما في الأرض وجعله خليفة فيها يعمرها .

فهل يبقى بعد ذلك شك عند أحد في أن الإسلام يحترم العقل ويقدره كل التقدير؟

ثم إن الإسلام عندما حظر على العقل التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في أمور الغيب، وألزمه بالتسليم والتوقف عند كل ما ورد عن الله تعالى ورسولهe ، مما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته، وما يتعلق بالغيب كله- إنما فعل ذلك إشفاقاً على هذا العقل الكريم من العماية في متاهات المجهول .

ثم إن الإسلام في الوقت نفسه فتح للعقل البشري مجالات الانطلاق الواسع في حدود الواقع في حياته هو والمخلوقات من حوله ، بل وفي الأرض كلها والسماء ، وهذا الكون الرحب الواسع الفسيح .

فللعقل البشري أن يبدع، وأن ينظر ويحكم، وأن يتفكر ويعتبر ما وسعه الإبداع والنظر والتفكر والاعتبار ، عليه أن يفعل ذلك كله، وله مع ذلك عليه الأجر والمثوبة إذا هو امتثل أمر الله .

أما الغيب والتفكر في ذات الله، بأكثر مما ورد عن الله، فإنه ليس بمقدور العقل، وليس من وظيفته أن يفعل ذلك، وإن فعل ذلك خرج عن نطاق الواجب عليه، ولن يعود عليه فعله إلا بالحرج والعنت العقلي والنفسي، والخروج عن نطاق مصلحة الإنسان في معاشه ومعاده.

والعقلية الحديثة، هي التي دعت أتباعها إلى الخوص في أمور الغيب ومعارضة أمر الله، ولم تسلّم بما جاء عن الله تعالى، مما هو خارج عن نطاق العقل، وأقحمته فيما لا طاقة له به، ونحن نذمها من هذا الوجه.

فإن مُقْتَضى الإيمان بالغيب :- التسليم لله فيه، بما ورد في كتابه وسنة رسوله e .

والإنسان في هذا العصر أكثر العصور تقدماً في الكشوف والاختراعات- أعلن عجزه وقصوره عن إدراك أكثر حقائق الكون وكُنْهِ طاقاته، حتى تلك الأشياء التي يمارسها ويعيشها ويومياً، إن العقل يجهل نفسه، ويجهل الروح التي تُمدّه بالحياة بأمر الله (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ([7]).

(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) ([8]).

فإكراماً لهذا الإنسان ، وإشفاقاً عليه، وعلى عقله المحدود، من التشرد والتبدد والتيه، وإشفاقاً عليه بعد ذلك من الضلال والهلاك، وسوء العاقبة، أراحه الله من الخوض في الغيب بعقله؛ فجاءه الوحي يخبره عما فيه صلاحه من أصول العقيدة السليمة، ومسائل الغيب ، ورسم له سبيل الخير والسعادة في الدنيا، وأطلق لعقله فيما عدا ذلك الحرية كل الحرية.

فقد فتح الإسلام للعقل من مجالات البحث والفكر والتأمل والنظر في ملكوت السماء والأرض، ما يكفي لانشغال العقل، وإشباع رغبة التطلع والإنتاج المفطورة فيه)) ([9]).

ويقول الشيخ عبد الرحمن الزنيدي – حفظه الله - :

((لعل من أبرز السمات التي امتاز بها الدين الإسلامي عن سائر المذاهب والأديان الأخرى، هو ذلك المقام السامي الذي وضع الإسلام العقل الإنساني فيه والدور الجليل الذي أناطه به، والآفاق الواسعة التي فتحها أمامه، بشكل لم تصل المذاهب البشرية إليه حتى تلك المذاهب التي تنادي بأنها حررت العقل البشري، وأطلقته من آساره، واحتكمت إليه، هي في الحقيقة التي سخرت منه، واستهانت به:

-         فمن جانب دفعته إلى الإيغال في مجالات ليست من اختصاصه فتاه فيها وضل.

ومن جانب آخر تجد هذه المجتمعات العلمانية – التي تدعى أنها تحكم العقل في أمورها- قد نبذته وراءها ظهرياً، فأحكامه وتقريراته في جانب وواقعها في جانب آخر، فالعقل يحكم بأن الخمر والزنا ضار ومفسد للجنس البشري والواقع يبيحها ، بل ويحببها، والعقل يقول إن المرأة تختلف عن الرجل والواقع يقول يجب أن نجعلها كالرجل تماماً…، فأي إهانة للعقل بعد هذا، ونعود

([1]) (219، البقرة) .

([2]) (50 ، الأنعام) .

الصفحات [1] [ 2]

اضيف بواسطة :   admin       رتبته (   الادارة )
التقييم: 5 /5 ( 3 صوت )

تاريخ الاضافة: 26-11-2009

الزوار: 17201


المقالات المتشابهة
المقال السابقة
مقدمة صراع
المقالات المتشابهة
المقال التالية
المنهج الصحيح في التلقي عن الله
جديد قسم مـقـالات الموقـــع
القائمة الرئيسية
البحث
البحث في
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك