الخلايا الحية تؤدي رسالتها
كتبها: رسل تشارلز آرنست
إخصائي في علم الأحياء و النبات - حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة منيسوتا -
أستاذ في جامعة فرانكفورت بألمانيا - عضو الأكاديمية العلمية بانديانا - مؤلف
لكثير من البحوث البيولوجية.
تهيئ دراسة الخلايا الحية لنا خبرة عجيبة، فإذا فحصت طرف وريقة صغيرة من
وريقات العشب المائي الذي يسمى (الإيلوديا) تحت العدسة الكبرى للمجهر، فسوف تلاحظ
مظهراً من أكثر مظاهر الحياة انتظاماً و أروعها جمالاً. فلكل خلية من خلاياها
تركيب رائع. و يبلغ سمك الورقة عند طرفها طبقتين من الخلايا. و تستطيع أن تحرك
قصبة المجهر رافعاً و خفضاً حتى نرى كل خلية من خلايا هاتين الطبقتين على حدة، و
تدرك أنها وحدة قائمة بذاتها، كما يلوح أن كل خلية من هذه الخلايا الطبقيتين على
حدة، و تدرك أنها وحدة قائمة بذاتها، كما يلوح أن كل خلية من هذه الخلايا تستطيع
أن تؤدي جميع وظائف الحياة مستقلة عن غيرها من الخلايا الأخرى المشابهة لها. و
يفصل الخلايا بعضها عن بعض جداران ثابتة متماسكة. و تتكون الورقة من آلاف من هذه
الخلايا المتراكمة التي تبدوا كأنها بنيان مرصوص.
أما النواة فترى بصعوبة على صورة جسم رمادي باهت تبرز فيه الفجوة العصارية
التي تشغل مركز الخلية. و يحيط بالنواة شريط من الحشوة ( السيتوبلازم ) الذي يحيط
بالفجوة. و يفصل الحشوة ( السيتوبلازم ) عن الجدار الخارجي للخلية غشاء رقيق، لا
نستطيع أن نراه تحت الظروف المعتادة بسبب ضغط الفجوة العصارية عليه و التصاقه
بالجدار. أما فحصت الخلايا بعد أن تغمر الورقة فترة من الزمن في محلول مركز من ملح
الطعام، فإنه يسهل مشاهدة هذا الغشاء، لأن انغمار الورقة في محلول الملح بسبب
فقدانها لعض الماء الذي بفجوتها العصارية، مما يترتب عليه انكماش محتويات الخلية
وابتعاد الغشاء عن الجدار. و عندئذ يقال للخلية إنها تبلزمت.
و في الخلية حركة. وهي حركة لا يمكن أن
ينبىء عنها ما يبدوا على ظاهر الورقة من السكون. ففي داخل شريط الحشوة (
السيتوبلازم ) الرقيق الذي أشرنا إليه، أجسام دقيقة خضر تسمى البلاستيدات الخضر، و
هي لا تسبح في الحشوة ( السيتوبلازم ) أو تندفع داخله كما تندفع الحيوانات
المجهرية الصغيرة داخل الماء و إنما تتهادى كما تتهادى السفن الصغيرة يجرفها تيار
الماء في بحر خضم. إنه الجبلة ( البروتوبلازم ) ذو التركيب المائي و الحيوي
الفياضة ، هو الذي يتحرك. و هذا البروتوبلازم هو مركز الحركة و الحياة في جميع
الكائنات الحية. و تعتبر حركة الجبلة ( البروتولازم) في خلايا نبات ( الإيلوديا)
مظهراً من مظاهر الحياة. أما القوة أو القوى التي تجعل هذه الجبلة (البرتوبلازم )
يتحرك و التي ينشأ عنها هذا التيار المستمر فهي مالا تعرفه معرفة اليقين و مالا
نستطيع أن نفسره في حدود معرفتنا الخالية تفسيراً صحيحاً. و لكننا نشاهد هذه الحركة
البروتوبلازمية هنا و هنالك في عالم الأحياء من حيوان و نبات و تعرف هذه الظاهرة
تدفق الحشوة (السيتوبلازم ) و تعرف في نبات الإيلوديا بالذات بدوران الحشوة (
السيتوبلازم ) بسبب ما يشاهد من حركة البلاستيدات الخضر داخل خلاياها حركة دائرية
مستمرة.
و إذا وضعت قطرة من ماء مزرعة حيوانات أولية تشتمل على الأميبيا فوق شريحة
زجاجية دافئة، ثم فحصتها بالمجهر، فإنك تستطيع أن تشاهد ان الجبلة (البروتوبلازم )
يتحرك حركة عجيبة، فالأميبيا لا تسبح في الماء و لا تطفو على سطح قطرة الماء أو
تندفع في جوفها و لكنها تتحرك كما لو كانت تنسكب أو تسيل. أما جسم الأميبا فهو
كتلة عارية من البروتولازم يتحرك حركة عجيبة ، فالأميبيا لا تسبح في الماء و لا
تطفو على سطح قطرة الماء أو تنطفع في جوفها و لكنها تتحرك كما لو كانت تنسكب أو
تسيل. أما الأميبيا فهو كتلة عارية من البروتوبلازم وهو يختلف عن الخلية النباتية
فأنه لا يحيط به من الخارج جدار صلب، بل مجرد غشاء رقيق يحدد جسمه. كلما تحركت
الجبلة (البروتوبلازم ) في اتجاه من الاتجاهات، أطاعه ذلك الغشاء و تحرك معه في
نفس الاتجاه. و بذلك يتغير شكل الحيوان و تتكون له زوائد لا تلبث أن يتغير شكلها
بعد قليل. و بهذه الطريقة يتحرك الحيوان وتتكون له زوائد لا تشبه الأقدام، و التي
تسمى بسبب ذلك (الأقدام الكاذبة).
و من الممكن استخدام القوة المكبرة العظمى لمشاهدة الحشوة (السيتوبلازم ) عند
اندفاعه في الأقدام الكاذبة، و لكي نشاهد أن جسم الحيوان يتكون من طبقتين من الجبلة
(البروتوبلازم ) يختلفان في كثافتيهما. أما إحداهما فهي كتلة شفافة مائية دائمة
الحركة، و أما الأخرى فهي كتلة هلامية نصف صلبة تحيط بالطبقتين السابقة إحاطة
تامة، و يعتقد بعض العلماء ان الاختلاف في كثافة هاتين الطبقتين هو الذي يساعد على
حدوث الحركة. فالطبقة الخارجية تضغط على الداخلية فتجعليها تندفع في اتجاه معين
مكونة تلك الأقدام الكاذبة. و يعتقد آخرون أنه يمكن تفسير الحركة على أساس نظرية
التوتر السطحي، وهي نظرية يدرسها طلاب الجامعات عند بداية دراستهم للأحياء ،و مع
ذلك فإننا لا نستطيع ان نبين لهم أسبابها. و حتى إذا سلمنا بالتفسير الأول لحركة
الأميبيا، فينبغي أن نعترف بأننا لا نعرف شيئاً عن عمليات التحول الغذائي التي
تسببها هي الأخرى.
هذان طرازان من الخلايا يختلفان عن بعضهما اختلافاً كثيراً، أحدهما من نبات
أخضر و الآخر فرد حيواني، و كل منهما يتكون من خلية بسيطة. و تعرف الأمبيا بين
علماء الحيوان بأنها أبسط الحيوانات تركيباً. و الواقع أن حركة الجبلة
البورتوبلازم فيها تعتبر أبسط أنواع الحركة في المملكة الحيوانية. أما الإيلوديا
فبرغم أنها نبات زهري بسيط، فإن خلاياها غير متخصصة أو متنوعة كما هو الشأن في
كثير من النباتات الأخرى. فهي على التحقيق خلايا بسيطة. و مع ذلك فإن كل خلية من
هذه الخلايا، إنما هي جهاز معقد ، يقوم بطريقته الخاصة بجميع الوظائف المعقدة
الضرورية للحياة، و منها الحركة و منها الحركة التي شاهدنا أحد مظاهرها. و تؤدي كل
خلية من الخلايا وظائفها الحيوية العديدة بدرجة من الدقة يتضاءل بجانبها أقصى ما
وصل إليه الإنسان من دقة في صناعة الساعات الدقيقة. و بمناسبة الحديث عن الساعات
فقد توصل الإنسان إلى صناعة ساعات بالغة الدقة و الروعة، يستطيع بعضها أن يمتلىء
بطرقة آلية عند ما يحرك الإنسان يده التي تحمل الساعة . و لا يمكن أن يتصور العقل
البشري أن آلة دقيقة كالساعة قد وجدت بمحض المصادفة ، دون الاستعانة بالعقل المفكر
و اليد الماهرة، أو أن تلك الساعة الأوتوماتيكية التي تدور من تلقاء نفسها قد صنعت
نفسها أو أخذت تتحرك دون ان يبدأ أحد في تحريكها فإنه يستحيل علينا أن نفسر كل ذلك
ما لم نسلم، عن طرق العقل و المنطق، أو وراء كل ذلك عقلاً و تدبيراً. هذا العقل و
هذا التدبير و تلك القوة التي تعجز عنها المادة العاجزة عن التفكير و التدبير ليست
إلا من مظاهر قوة الله و حكمته و تدبيره.
حقيقة أن هنالك بعض القوى و المؤثرات الخارجية الموجودة في البيئة و التي تؤثر
في حركة الجبلة داخل الخلايا، فبعض الباحثين يشير إلى درجة الحرارة، و ربما الضوء
أو الضغط الأسموزي، أو غير ذلك من المؤثرات التي تؤثر فعلاً في حركة البروتوبلازم
دائبة لا تنقطع، حتى عندما يزول أثر جميع هذه المؤثرات. و معنى ذلك أن جانباً على
الأقل من أسباب هذه الظاهرة يرجع إلى الجبلة ذاتها. فمن المحال إذن أن نفسر ظواهر
الحياة على أنها مجرد استجابات لبعض المؤثرات الخارجية.
و بهذه المناسبة نحن نعلم أنه عندما نشطر خلية حية إلى نصفين بطريقة التشريح
الدقيق بحيث تكون النواة في أحد القسمين دون الآخر، فإن القسم الخالي من النواة
يموت بعد قليل. و قد أخفقت جميع الجهود التي بذلت للاحتفاظ بها حيا. و على ذلك فإن
النواة هي التي تنظم العمليات الحيوية في الخلية و تسيطر عليها، فإذا زال هذا
الإشراف توقفت الحياة. و هكذا نرى أن خالق هذا الكون و منظمه يعتبر ضرورياً لخلق
الخلية و الإنسان، بل لخلق العقول المفكرة التي تبحث عن الحقيقة وعن السبب الأول.
و انا لا أريد أن أقول هنا إنني أومن بالله بسبب عجزي في الوقت الحاضر عن إدراك
سبب ظاهر الحركة في البروتوبلازم أو غيرها من الظواهر، و أنا أعلم أن كثيراً من
الناس يستخدمون هذا الأسلوب من أساليب المنطق و يقولون إذا كانت العلوم عاجزة عن
التفسير فلابد من التسليم بوجود الله، ولكنني أرفض هذا المنطق رفضاً باتاً و أقول
إنه حتى عندما نكتشف الحقائق و يزول عنا ذلك الغموض يوماً من الأيام و نصير قادرين
على فهم الخلية الحية بصورة أفضل، فإننا لا نفعل أكثر من أن نتبع و نتدبر ما صنعه
و دبره خالق و مدبر أكبر ، و هو الذي جعل هذا البروتوبلازم يتحرك في بادئ الأمر
وهو الذي يجعله يتحرك و يؤدي كل وظائفه.
لقد وضعت نظريات عديدة ، لكي تفسر لنا كيف نشأت الحياة من عالم الجمادات، فذهب
بعض الباحثين إلى ان الحياة قد نشأت من البورتوجين أو من الفيروس أو من تجمع بعض
الجزيئات البروتينية الكبيرة. و قد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت
الفجوة التي تفصل بين عالم الأحياء و عالم الجمادات. و لكن الواقع الذي ينبغي أن
نسلم به هو أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية ، قد
باءت بخذلان و فشل ذريعين.
و مع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع
على أن مجرد تجمع بعض الذرات و الجزيئات عن طرق المصادفة، يمكن أن يؤدي إلى ظهور
الحياة وصيانتها و توجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية. و للشخص مطلق
الحرية في أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة ، فهذا شأنه وحده. ولكنه إذ يفعل ذلك
فإنما يسلم بأمر أشد إعجاز وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله الذي خلق هذه
الأشياء ودبرها .
إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقيد درجة يصعب علينا فهمها
،وان، ملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شاهدة تقوم على
الفكر و المنطق، و لذلك فإنني أومن بوجود الله إيماناً راسخاً.