عرض المقال :شبهات حول قضية النسخ
  الصفحة الرئيسية » مـقـالات الموقـــع » الرد على شبهات حول الإسلام » الرد على الشبهات حول القرآن الكريم

اسم المقال : شبهات حول قضية النسخ
كاتب المقال: webmaster3

شبهات حول قضية النسخ



  مقدمة:



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به تعالي من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هديُ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :



 
شبهات حول قضية النسخ في الكتاب والسنة



 
(1) مقدمة : لقد جاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبينات ، أي بالمعجزات والآيات الدالات علي صِدْقِه وأكبر مُعْجِزَاته : هو كتابه وهو القرآن العظيم الذي أنزله الله بِعِلْمِه ، أي متضمناً لِعِلمٍ لا يعْلَمُه إلا الله من أسرار الخلق وما كان وما سيكون إلي يوم الدين ، قال تعالي :(( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )) الفرقان . فإذا أكتشف الإنسان شيئاً من أسرار وحقائق المخلوقات في الآفاق أو في الأنفس ، في الفَلَكَ أو في البحار أو في علوم الأرض أو في الكيمياء أو في أطوار خلق الإنسان أو غير ذلك مما لا يحصى ، ثم وجد أن ذلك العلم مسطور ومكنون في القرآن بذكر تلك الحقائق والأسرار التي لم تكن معروفة من قبل ، فحينئذ يَسْتَيْقن جميع العقلاء أن هذا القرآن مُنَزَّل من العليم الخبير خالق كل شيء ، والذي يعلم السِّرَّ في السماوات والأرض . ولا يزال ذلك الأمر مستمرا ومتجددًا إلي يوم القيامة حتى يَسْتَيْقنَ جميع الأجيال إلي يوم الدين أنه الحق من رب العالمين . هذا بخلاف وجوه الإعجاز الأخرى التي يختص بها طلاب العلم . ومِنْها انعدام التَّنَاقض ( الاختلاف ) ، ولا يزال الذين في قلوبهم زيغ يبحثون في القرآن عن شيءٍ من التَّناقض يَخْرجُون به علي الناس ، كما قال تعالي :(( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ )) آل عمران . ولم ولن يتوقف أعداء الإسلام عن البَحْث والتَّلْفيق لَعلَّهم يَجدون شيئا ، ويتعاون شياطين الجن والإنس في هذا السَّبِيل ليصدُّوا الناس عن الحق ، فَيُقَيِّضُ اللهُ عز وجل من العلماء من يتلقَّى شُبُهَاتِهم فيفنِّدَها ويبطلَها ، وَيَرُدَّ كيْدَهم في نحورهم بالحَّجةِ والبيان والبرهان ، فيظهر لأصحاب العقول دليل جديد علي أنه الحقُّ من عند الله فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، وأَمَّا الذين في قلوبهم مرض ، فقلوبُهم فيها من الجهل والظلم والمرض ما يَسْمحُ بدخول الشبهات وزُخْرُف القولِ ، فتزداد شَكَّا وَرَيْبًا ورجْسًا إلي رِجْسِهم . وبهذا يتميزُ الصَّادِق من الكَاذِب ، وهذه سنة ربَّانية علي مَرِّ العصور لا تتبدَّل ولا تتحول ، حيث يجعل الله للحق عَدُوَّا يدفع بالأباطيل والشبهات ، فيتصدَّى لهم أهل الحق بالحجة والبرهان فََيُدْمَغ البَاطِلُ فإذا هو زاهق ، علاوة علي تميز الصَّادق من الكاذب ، وازدياد الذين آمنوا إيمانا ، وازدياد الذين في قلوبهم مرض رجسا إلي رجسهم ، قال تعالي :(( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )) الأنبياء . وقال :(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) العنكبوت . وقال :(( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ )) الأنعام . وليْس هذا موضع شرح هذه الآيات ، والمقصود هنا بيان أَنَّ القرآن لا يتناقض أبدا ، مع أنَّ الله ضَرَب فيه من كل مثل ، وما فرَّط فيه من شيء يلزم الناس إلي يوم الدين ، فلو كان من قول البشر وتصانيفهم لامتلأ تناقضا واختلافا ، لا سِيَّما وقد اشتمل علي كل علم يحتاج إليه الإنس والجن بما في ذلك أنباء الأولين والآخرين ويوم الدين وشرع رب العالمين . قال تعالي :(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )) النساء . فإذا تَبيَّن ذلك للعاقل فآمن به ، فليس له أن يقول : أقْبَلُ بعضَه وأرفض بعضه ، أو يقول : إنَّ في صَدْرِي لحرجًا من قضية كذا ( النسْخ مثلا ) أو آية كذا ، بل يقول كما يقول الراسخون في العلم :(( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا )) آل عمران . قال تعالي :(( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) الأعراف . فإذَا كُنَّا قد آمنَّا أنه منزَّلٌ من عند الله فقد لزمنا أن نقول سمعنا وأطعنا ، فإذا اشتبه أو أشكل علينا فهم شيء من قضاياه أو آياته أو أسراره وحكمته وأمثاله ، فقد وجب علينا أن نسأل أهلَ الذكر ، وهم علماؤه ، فَإنْ فَعَلْنَا : فقد زال الاشتباه ، وتَميَّز الحق من الباطل ، وتكشَّفَتْ من أسْرارِه ما نَزْداد به إيمانا .



وكمثال علي ذلك : قضَيَّة النسخ في الكتاب والسُّنَّة ، وسوف يتضح - بعد بيان بعض حكمة النَّسخ وبعض أسراره - أن هذه القضية قد تُعَدُّ من وجوه الإعجاز عند العقلاء ، لكن كثيرا من أهل الكتاب دَأَبُوا عَلَي التَّهجُّم علي القُرْآنِ بِسَبب هَذِه القضية وغيرها ، مستغلين جهل أكثر المسلمين بدينهم بعامة ، أو جهلهم بأمثال هذه القضايا بخاصة .



ومن عجبٍ أنَّ هؤلاء المُتَهَجِّمين نَسُوا أنَّ بَيْتهم من زجاج . فكان عليهم ألا يقذفوا الناس بالحجارة ، كما يقول المثل ( الِّلي بيته من زجاج .. ) لأن الناس لو رَدُّوا عليهم بالمثل لَهدَّمُوا بَيْتَهم عليهم بسهولة .



إنني لأشعر باستعلاء الإيمان ، وبنعمة الله بإنزال القرآن ، عندما أجد فيه كروية الأرض ودورانها حول نفسها أمام الشمس لإحداث الليل والنهار ، ودورانها حول الشمس لإحداث الفصول الأربعة ، وغير ذلك من الحقائق المفصلة ، حيث الوصف القرآني في المتناهي في الدقة والإحكام ، باللغة العَربيَّة المتناهية في البيان ، في زمن إنزال القرآن حيث لم يكن أحدٌ يعرف عن ذلك شيئا أو يتخيله ، ثم جاءت المعارف البشرية الحديثة بالحقائق الفَلَكية عن الأرض كما أودعها الله كتابه العظيم .



ثم أعود فأشعر بالعَجَب العُجَاب من هؤلاء الذين يَتَّبعُون ما تشابه من القرآن لِيِتَهجَّموا عليه ويشككوا في نسبته إلي الله ، أعجب عندما أنظر في كتابهم فأجد صورة للأرض وهي ثابتة علي ماء . فلا هي كرة ولا هي تدور ولا هي تتحرك ، وهذه الصورة رسمها شراح كتابهم علي أنهم يشرحون كلام الله فيه ، وكل دارس للتاريخ يعلم ماذا فعلوا بجاليليو وغيره ممن بدءوا الحديث عن كروية الأرض وحركتها منذ حوالي أربعة قرون !!



فكيف يكون هذا الكلام مَنْسوبًا إلي الله !؟ وكيف يكون هذا التخريف مُنَزَّلاً من الله !؟ حاشا لله عز وجل ، ثم كتابهم هذا يستطيع الدارس له أن يعثر علي آلاف التَّنَاقضات ، فكيف يكون مُنَزَّلاً من الله !؟ إن الله تعالي لم يتعهَّد بحفظه مثل ما تَعهَّد بحفظ القرآن ، فلما أخبر القرآن أن الله أنزل الزبور والتوراة والإنجيل آمنا بها كما أُنْزِلت بلا تحريف ، كما آمنا بالقرآن وأنه مُهَيْمن علي ما سبقه من الكتب ، أيْ شاهد مؤتمن ، فإذا حُرِّفَت وظهر فيها الاختلاف والباطل ، كان القرآن مقرًّا لما فيها من الحق والصدق ، مكذِّبًا لما فيها من التحريف والباطل .



إن خاصة العقل لا تقبل أبدا نسبة كتاب إلي الله إن كان فيه أي نوع من أنواع الخطأ ، لأن الله تعالي لا يخطئ ولا يضل ولا يَنْسَي – سبحانه وتعالي – وعلي ذلك لا يمكن إثبات أن كتبهم الموجودة بأيديهم الآن أنها من عند الله ، ولكن يبقي القرآن هو الشاهد الوحيد علي أن أصلها منزل من الله ، هذا إن نَحَّينا جانبا تقليد الآباء واتباع الأهواء .



فما لهؤلاء المتهجِّمين يحاولون هدمَ الشاهدِ الأمين الوحيد علي أن أصل كتابهم منزل من عند الله عز وجل !!!



 



- اليهود والنسخ -



اليهود لا يقرُّون بالنسخ في شرائع الله زاعمين أن النسخ يستلزم البداء ، والعلم بعد الخفاء وذلك لا يجوز علي الله . وقصدهم في ذلك خبيث سيئ وهو ألاّ يؤمنوا بشريعة أخري تعْد التَّورَاة تَنسَخُها ، وبالتالي فلا إيمان بعيسي ومحمد عليهما الصَلاة وَالسَلام ، وبذلك يُحَرِّفون التَّورَاة بما يُناسِب أهْواءَهم إلي يوم القيامة ، ولا أحد يكشِفُهُم أو يعكّر عليهم .



ــ والجواب عليهم من وَجْهَيْن :



(1) ما من نَبّي بعث إلي قوم إلا وهو ينسخ شريعة الذي سبقه ، لأن شرائع الأنبياء جاءت مختلفة تبعا لاختلاف الأزمنة والأمكنة ، وجاءت بسُنَّة التدَرُّج في الأحكام ، لأنها بِمَثابَة الأدوية للأبْدَان ، وما يصلح لأمة لا يصلح لأخرى ، وما يكون منها في وقت مصلحة قد يكون في وقت آخر مَفْسَده وكل ذلك مبني علي الحكمة ، فالمنسوخ في وقته وحاله أصلح وأنفع ، والنَّاسِخ في وقته وحاله أصْلَحُ وأنْفَع . فَلَيْس في النسخ بداء وإنما هو مقتضى الحِكمة ومعلوم أنَّ البداء هو ظهور الشّيء وبُدُوُّه بعد أن كان خافيا .



(2) لقد أبْطَل الله مَكْرهُم وكشفَ سِترهُم بما يلي :-



قال تعالي :(( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) آل عمران . فتضمنت هذه الآيات بيان كذب اليهود كذبًا صَريحا في إبْطالِهم النَّسخ ، وذلك أنَّ النَّسخ عندهم في التَّوْرَاة لا يَخْفي عليهم ، فالطعام كله كان حلالا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ ( يعقوب ) عليه السلام علي نَفْسِه ، بإحْلاَلِ اللهِ له في شَريعة يَعْقوب والأنبياءِ من بَعْده إلي حِين نزولِ التَّورَاة ( إلا لحوم الإبل وألبانها حيث حَرَّمها يعقوب علي نفسه وفاء لنذر أو لسبب آخر لا يتَّسع المقام هنا لذكرها ) ثم جاءت التَّوْراة بتحريم كثير من المآكل عليهم بعد أن كانت حلالا لهم ، وهذا هو محض النسخ ، وهو موجود في التوراة بوضوح (( قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) آل عمران . فإن لم تجدوا أن يعقوب لم يحِّرم إلا لحْم الإبل وألبانها ثم حرَّمت التوراة كثيرا من الطَّعَام ، فقد ظهر كذِبُكم وافترائكم في إنكار نسخ الشرائع ، والحجر علي الله تعالي في نَسْخِها ، وإذن فالنَّسْخ ثابت في التوراة حتى بعد التحريف ، فكيف ينكرونه بعد ذلك !! والحقيقة أنهم يَعْرِفُون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يعْرِفُونَ أبنَاءَهم ، ولكنهم مَغْضوبٌ عليهم يعرفون وينكَرون .



والأمْر لا يَقْتصر علي نسخ حِلِّ كثير من الأطعمة ، بل عند اليهود أمثلة من النسخ لا تقبل إلا الإنكار كما يلي :



(1) أُمِرَ آدم عليه السلام بتزويج بناته من بَنيه ( حيث لم يكن وقتها إلا ذلك ، فكان الأصلح وإلاّ توقف التَّناسُل ) ثم صار ذلك حَرَاما بالاتِّفاق .



(2) كان التسرِّي علي الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم عليه السلام ، ولقد تسرِّي إبراهيم عليه السلام بِهَاجر ، ثم حُرِّم مثل ذلك في التوراة .



(3) كان الجمع بين الأختين سائغا وقد فعله يعقوب عليه السلام ، ثم حرِّم ذلك في التَّوْراة وهذا هو النسخ الذي لا يُقِرون به .



(4) أُبيحَ لنوح عليه السلام بعد خروجه من السَّفينة أكل جميع الحيوانات ثم نُسِخ حِلُّ بعضها .



(5) أُمِرَ إبراهيم بذبح ولده إسماعيل ثم نسخ قبل الفعل .



(6) أُمِرَ جمهور بني إسْرَائيل بِقتْل من عَبَدَ العجْلَ منهم ثم دفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم ذلك .



(7) ما في كتبهم من البشارة بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنه لا يفيد وجوب متابعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه لا يُقْبَلُ عمل إلا علي شريعته التي تنسخ ما قبلها .



فمن كذب علي الله من بعد كل ذلك ، وَأدَّعي أن الله شَرع لهم السَّبْت والتَمسُّك بالتوراة دائما ، وأنه تعالي لم يبعث نبيَّا آخر .. إلي آخر ما يقولون ، فأولئك هم الظالمون .



ولقد جاءهم المَسِيحُ عيسي ابنُ مريم بإحْلال بعض الذي حُرِّم عليهم ، فمن آمن بالمسيح أنه رَسُولٌ من رَبِّ العَالمين ، فقد لزمه أن يؤمن بأن ما في الإنجيل نسَخ بعض ما في التوراة ويَلْزَمه الإقرار بالنسْخ .



أما عند النصارى فالأمر عجب العجاب ، حيث يزعم رؤسَاؤُهم أَنَّ المَسِيح فوَّض إليهم التَّحليلَ والتحريم وتشريع الأحكام بحسب المصلحة ، وأنَّ ما حَلَّلُوه وحرَّموه فقد حَلَّلُه هو وحَرَّمه في السَّماء ، يعني هم يَنْسخون أحْكَام الله ويبدِّلُونها كما يشاءون وبتفويض من المسيح الذي هو الله عندهم - تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا - ثم هم يتهجَّمُونَ علي القُرآن بأنه لَيْس كلامَ الله لأن فيه نسْخًا .



فأيُّ الأمريْن أفْضل : أشرعنا الذي سنَّ الله لنا حدوده بِنَفْسِه ، ونسخ منه ما أراد بعلمه ، وأتَّمه بحيث لا يستطيع الإنس والجنّ أن ينقصوا حرفا منه لانطبَاقِه علي كل زمان ومكان ، وعدم مجافاته لأية حالة من حالات الإنسان ؟ أم شرائع دِينيه أخري حرَّفها كهانها ، ونسخ الوجود أحكامها - بحيث يستحيل العمل بها لمنافاتها لمقتضيات الحياة البشرية من كل وجه ؟! .



عَوْدٌ إلى قضية النسخ من أساسها ، والهدف هنا دَفْعُ شُبُهَاتِ الخُصُوم وكشْفُ زَيْفِهم ورَدّ اباطَيلهم ، وليس الهدف بيان التفاصيل الأصولية والفقيهة فبيانها في كتب الأصول والفقه .



أولاً: حول معنى النسخ : هو رفع ( إزالة ) حكم دليل شرعي أو لَفْظِة بدليل من الكتاب والسنة . ( وسيتضِحُ معناه بالأمثلة من خلال ذكر أقسام النسخ كما يلي ) :



أ ـ باعتبار المنسوخ : (1) ما نُسِخ حكمه وبقي لفظه . ( وهو الأكثر في القرآن ، ومن أمثلته : حكم المصابرة في القتال ، وحكم الصِّيام ) .



* المصابرة : قال تعالى :(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )) الأنفال ، وبيان ذلك في نقاط كما يلي : -



* أخبر الله تعالى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه حسْبهم إلى يوم الدين ، وكافيهم مهما كان عدوهم ، والشرط هو الإيمان واتِّباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .



* أمَرَ اللهُ نَبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَثِّ المؤمنين وتحريضهم على القتال ومصابرة العَدُو ، أي يُكون صبرُهم أكثر من صبر العدو حتى لو كان عدد عدِّوهم عشرة أضعاف عددهم . لا يسوغ ولا يجوز لهم الفرار أمام العدو ، فواجب على المؤمن أن يصبر ويثبت لمقاتلة العشرة ، والمائةَ لمقاتلة الألف وهكذا ، وجاءت البشارة بغلبة المؤمنين بتأييد الله لهم طالما التزموا شرط المصابرة المأمور به كما تقدم ، فهنا أمران : الأول: البشارة بالنصر ، والثاني : الأمر بثبات المؤمنين لعشرة أمثالهم ( لأنه خَبَر بمعنى الأمر) ، وذلك يتطلب إيمانًا عاليًا ، وقلبًا قويًا ، وشجاعة إيمانية ، وإعْدادًا للعدة وتدرُّبا على المصابرة ، وتخلصًا من آثار الذنوب والسيئات ، وغير ذلك مما كان عليه الصدر الأول من الصحابة ، فتحققت البشارة لهم ولمن تبعهم ، ولا تزال تتحقق متى تحققت الأوصاف والشروط السابقة . غير أن الأمر قد شق على بعضهم ، وعَلِمَ علام الغيوب بما سيكون إلى يوم القيامة من ضعف الإيمان وضعف الصبر وضعف الشجاعة والقلوب ، فخفف عن المسلمين برحمته ، ونسخ الحكم الأول ( مصابرة الواحد لعشرة ) بالحكم الناسخ وهو مصابرة الواحد للإثنين ، والمائة للمائتين ، وهكذا ، ودليل النسخ قوله تعالى :(( الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ )) ، ولكنه تعالى ثبَّت البشارة لمن أراد أن يغتنمها فحقَّق أسبابها أو لمن اضطر إليها ، ولقد أثْبَت التاريخُ ذلك كثيرًا .



هذا عن العدد ، أما عن العتاد الحربي ووسائله المتطورة فهذا له شأن خر .



* فإذا قال قائل : إذا كان الحكم الواجب الذي يعلم الله أنه سيسْتَقِرِّ إلى يوم الدين هو مصابرة الواحد للاثنين ، فلماذا لم يجعله الله حكمًا واحدًا منذ البداية ، ولا داعي للنسخ الذي يستغله خصوم الإسلام !!



فالجواب : هذه بشارة لم تُنْسَخ ، وامتنان من الله عظيم على المؤمنين إلى يوم الدين ( غلبة الواحد لعشرة كفار ) إذا فَرَضَت الظروف قتالاً بين المؤمنين وعشرة أمثالهم من الكافرين أو أكثر من ذلك بكثير ، فَصَابروا فالنصر حليفهم بهذه البشارة . وإنما الذي نُسِخ هو الحكم للتخفيف كما تبين ، حيث لو وَجَد المؤمنون عَدُوًّا أكثر من مِثْلَيهم ، فلهم أن يتحوزوا عن القتال ، ولهم أن يفرُّوا ، لا يُلْزمهم الله بمصابرة الواحد لعشرة ، لكن إن فعلوا واضطروا إلى القتال بمصابرتهم ذكر من مثليهم فالبشارة حاضرة ، والواقع التاريخي يؤيد ذلك تمامًا ، فالذي أنزل القرآن هو علام الغيوب ، وهو الذي يُقَلِّب الليل والنهار ، وهو الذي يُقَدِّر الأحداث كما يشاء ، وسأذكر بعد قليل أمثلة على ذلك ليعلم القارئ أنَّ قضية النسخ في القرآن تمثل وَجهًا من وجوه الإعجاز فيه الدالة على أنه كلام العليم الحكيم .





وأيضًا فالأصحاب الذين عاصروا الحكم الأول قبل النسخ ، قد صابروا لذلك وأثبتوا صدقهم ، وأن قوة المؤمن أساسًا في قلبه ، وأنه بهذا القلب القوي يستطيع المصابرة لعشرة وبالتالي غلبتهم ، وضربوا بذلك المثل والقدوة والأسوة لجميع الأمة ونالوا بذلك أعلى الأجر وأرفع الدرجات .



وأيضًا : فإن حق الله كبير ، ومن حقّه أيضًا أن يصابر المؤمن لعشرة ، وأن يعد العُدَّة لذلك ، وأن يتحمل في الله أقصي ما يستطيع ، والله تعالي عَفوّ ، يحب العفو ، ويسقط كثيرا من حقه لدي عباده ، ومن ذلك هذا الحق الذي نسخه بمصابرة الواحد للاثنين تخفيفا عنهم ، وفي ذلك بيان عفوه عن عباده بهذا النسخ كما مضي ، والله يحب لعباده الإقرار بنعمه وشكرها .



وكلما قرأ المسلم هذه الآيات تذكر هذه المعاني وأكثر . ومن أمثلة الغزوات والمعارك التي انتصر فيها المؤمنون على عشرة أمثالهم وأكثر ما يلي : -



في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :



1] سرية سيف البحر رمضان 1 هـ .



30 مقاتل من المسلمين بقيادة حمزة بن عبد المطلب مقابل 300 من المشركين فيهم أبو جهل .



2] سرية رابغ 1 شوال ا هـ .



60 مقاتل من المسلمين بقيادة عبيدة بن الحارث أمام 200 بقيادة أبي سفيان بن حرب .



3] غزوة بدر رمضان 2 هـ .



314 صحابي بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقابل 950 من المشركين بقيادة أبي جهل .



4] غزوة أُحد شوال 3 هـ .



700 صحابي بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقابل ثلاثة آلاف من المشركين بقيادة أبي سفيان وفيهم 200 فارس 700 دارع .



5] غزوة حمراء الأسد 670 من المسلمين بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقابل 3000 من المشركين .



6] غزوة الخندق شوال 5 هـ .



عدد المسلمين ثلاثة آلاف في مقابل عشرة آلاف من المشركين .



7] غزوة خيبر محرم 7 هـ .



عدد المسلمين 1400 مقاتل بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .



8] فتح مكة رمضان 8 هـ .



عدد جيش المسلمين عشرة آلاف أمام قريش بأسرها .



9] غزوة اليرموك 13 هـ .



عدد المسلمين 40 ألف مقاتل بقيادة خالد بن الوليد ، وجيش الروم 460 ألف مقاتل وانتصر المسلمون .



* الصيام : قال الله تعالى :(( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )) البقرة .



* في ابتداء فرض الصيام كان إذا أفطر أحدهم إِنَّما يحل له الأكْل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء فقط ، إلا إذا نام قبل ذلك ، فإذا نام أو صلى العشاء فقدْ بدأ صومه إلى الليلة التالية ، فوجدوا في ذلك مشقة كبيرة ، لان الرجل لو كان صائمًا فنام المغرب قبل أن يفطر فقد حُرِّم عليه الأكل والشرب والجماع إلى الليلة التالية كصيام أهل الكتاب ، وقد وقع ذلك لأحد الصحابة حيث كاد أن يهلك من الجوع والعطش ، ووقع لآخر أن أتى امرأته بعد أن نامت (وذلك لا يحل) حيث قال في نفْسه إِنَّها لم تَنَمْ ولكنها تتعلل ، فغلبته نَفْسُه وشَهْوَتُه على عقله ودينه ، مُبَرِّرةً ومُسَوَّلة ومُطَوِّعة له ذلك بأن الزوجة لم تنم ، فكأن النفس اجتهدت في إخفاء المخالفة على العقل والوازع الديني حتى يوافقها صاحبها ويفعل ما تهواه وتشتهيه ، وهذا هو اختيان النفس ، في قوله تعالى :(( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ )) البقرة لأن لفظ الخيانة لا يستعمل إلا في المخالفة التي تخفى على المَخُون ، والنفس هنا هي الخائنة ، وصاحبها هو المخون ، والمعني : تختانكم أنفسُكم ، وعبارة القرآن أبلغ ، وهي التي يستعملها الناس في حياتهم ، كالمريض الذي يتناول الممنوعات عليه ويجتهد في ا لتبرير والتهوين وتنويم ضميره ، فيقول له الطبيب : أتخون نفْسَك ـ أو : أَتَغُشُّ نفسك ، أو : أتضحك على نفسِك ، وهكذا . والمراد هنا أنَّ الأمر قد شق عليهم حتى وقع بعضُهم في اختيان النفس ، لكن الصحابي الجليل ذهب بعد ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً : يا رسول الله : أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة .. وحكى ما حدث منه ، وجاء آخرون أيضًا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا مثل ذلك من الأكل أو الشرب أو الجماع ، وكلهم يريد الاعتذار والتوبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ، لا اعتراضًا على شدة الحكم ، لأن حق الرب الملك الإله أن يحكم ما يريد ، وأن تُبذل الأموال والأنفس في سبيله . فأنزل الله هذه الآية بهذه الرخصة بإحلال الأكل والشرب والجماع (الرَّفث) إلى الفجر (بدلاً من العشاء) بلا تأثير للنوم في ذلك ، فجاء هذا الحكم ناسخًا ورافعًا للحكم الأول ، ودليل النسخ قوله تعالي :(( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) فقبل الآن كان الحكم المنسوخ ، والآن جاء الحكم الناسخ المستقر إلى يوم القيامة .



ولفتةٌ جميلةٌ في قوله تعالى :(( وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) إذ أن ليالي رمضان - وخصوصًا العَشْر الأواخر - مَغْنَمٌ للمؤمنين ، فإذا كان الله قد أباح لكم مباشرة أزواجكم ليلة الصيام ، فلا يشغلكم ذلك عن الخير الذي كتبه الله لكم من القيام والاعتكاف واغتنام ليلة القدر ، علاوة علي ابتغاء الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وابتغاء الآجر الذي يكتبه الله على مباشرة الأزواج .



سؤال : يردده السفهاء ابتغاء فتنة الجهلاء والضعفاء من المسلمين :-



* هل كان الحكم الأول مُشَدّدًا لتجربة احتمال المسلمين واختبار طاقتهم ، فلما تَبيَّن شدة الحكم ومشقة الأمر عليهم تم نَسْخُه بالحُكْمِ الثاني المُخفَّف ؟ بمعنى : هل بَدَا للمشرع من حال الناس ما كان خافيًا عليه ، ولم يكن باديًا له فاضطر إلى تعديل الأمر ليناسب أحوال الناس ؟ ، وإذا كان كذلك فلا يمكن للقرآن أن يكون كلام الله الذي يعلم كل شيء عن الخلق إلى يوم الدين وما بَعْده ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فالبداء عليه محال ، وكان الأيسر : الابتداء بالحكم الثاني ، والثبات عليه بلا نسخ .



الجواب سأجعله في نقاط مركزة :-



* الله تعالى هو الرب المالك الذي له ملك كل شيء ، وكل الخلق مماليكه ، فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء ، ويثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بما يشاء ، ولا يفعل شيئًا من ذلك إلا لحكمة بالغة ، فما من حُكْمٍ إلا وهو تابع للحِكْمةِ ، والحكمةُ تختلف باختلاف الناس وزمانهم ومكانهم ومصلحتهم ، لا باختلاف علم الحاكم حاشا لله عَزَّ وَجَلَّ .



* فترة الرسالة ثلاث وعشرون سنة ، ابتدأت بقوم على الجاهلية الجهلاء وانتهت بكمال الدين وتمام النعمة بما يسع جميع الناس في كل بقاع الأرض على مدار القرون إلى يوم الدين ، وبما لا يجافي أية حالة من حالات الإنسان ، فلن تحدث قضية إلا ولها مَثَلٌ في الكتاب والسنة ، وانتهت الرسالة والأمَّة في غاية الرقيّ الإنساني ، وغاية الكمال البشري ، وإنما تم ذلك بالتربية التدريجية ، والتدرج في الأحكام بمراعاة الأصلح والأنفع لكل حال ولكل ظرف ، مع ما يناسب قابلية الناس في سنوات الرسالة ليقدِّموا القدوة اللازمة لجميع الدرجات للناس كافة إلى آخر الزمان .



* الله تعالى يحب أن يتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته ، ويَمْتَنُّ عليهم بمقتضياتها ، ومقتضى العفو في الآية ظاهر في قوله تعالى :(( فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ )) ، وحق الله علينا كبير لا نبلغه ولا نستطيعه ، ولا حل لهذه المعضلة إلا عفوُه عَزَّ وَجَلَّ ، حيث ترك أكثر حقه لدينا ولم يطالبنا إلا بما جاء به الشرع ، ففي هذه المسألة فرض علينا الصيام بالحكم الأول المشدَّد الذي شق على الأصحاب وهم خير القرون ، فجاء التخفيف بالحُكْم الناسخ ، وذلك بمقتضى العفو أيضًا ، ثم إذا نسينا أو أخطأنا سألناه عفوًا آخر مقابلاً للخطأ والنسيان وهكذا أنواع من العفو ، وأيضًا فالتخفيف هو من مقتضى الرحمة والحِكْمة وأيضًا توبة الله عليهم بعد هذا الظرف من الشدة إنما هي فضل من الله يرفعهم بها درجات عنده لأنهم صادقون كما تبين ، حيث بصدقهم صار اختيانهم لأنفسهم في هذه الشدة كان سببا قدره الله لتوبته عليهم ، كما قال تعالى :(( لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) التوبة .



* عندما يقرأ المسلم آية الصيام في ليالي الصيام وهو يتنعم بالمآكل والمشارب ومباشرة زوجه مع عمله بما كان قبل النسخ ، فما أجدره أن يشكر نعمة الله في عفوه هذا الذي لا ينسى ، كما أنه إذا تعرض لظروف شديدة طارئة في ليالي وأيام الصيام ، فما أجدره أن يذكر الاقتداء بهؤلاء الصادقين ويصبر ويستعين بالله .



* فإذا تبينت هذه الفوائد والحِكم ، وهي قليل من كثير ، علمنا أن قضية النسخ في القرآن ليست قادحة في نسبته إلى الله ، بل مثبتة لأنه كلام الحكيم العليم ، قال تعالى :(( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ )) النمل ، وعلمنا أيضًا أن هؤلاء المعترضين سفهاء لا يفرقون بين البداء أو العلم بعد الخفاء وبين الأحكام التابعة للحكمة التي تختلف باختلاف الناس ، حيث الحاكم عَزَّ وَجَلَّ يعلم أن هذا الحكم في هذا الزمان أو لهذه الأمة مناسب ، وفي زمن آخر أو لأمة أخرى غير مناسب ، ولهذا كان النسخ من مقتضى الحكمة والعلم لا مخالفًا لهما .



 
(3) ما نُسَخَ لفظه وبقي حكمه : وقع ذلك في آية واحدة : هي آية الرَّجْم نسخ لفظها وبقي حكمها ، فرجم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ورجم الخلفاء بعده ، وما زال حكم الرجم باقيًا إلى يومنا هذا وسيبقى إلى يوم القيامة . وهو حكم الزاني المحصن (أي الذي سبق له زواج ، وجامع امرأته في نكاح صحيح) ، أما دليل آية الرجم أنها كانت في القرآن ، فهو ما ثبت في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وهو عَلَى الْمِنْبَرِ يخطب الناس قال :(( فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ! فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ))



فإعلان عمر رضي الله عنه ذلك على المنبر والصحابة جالسون ساكتون يدل على أنه محل إجماع بينهم أن هذا كان مما نزل من القرآن ، وأن حكم الرجم ثابت لم ينسخ لأن الخلفاء رَجَمُوا بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والنَّسخ لا يكون إلا بالوحي في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعمر - رضي الله عنه هو المحدث الملهم - يقول :(( فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ )) . وأزماننا هذه والتي قبلها قد وقع فيها ما توقَّعه عمر رضي الله عنه ، ووجدنا أناسًا أنكروا الرجم بحجة أنه ليس ثابتًا في القرآن الآن ( لأنه نُسِخ ) بل وَجْدنا من يقول بوحشية الرجم موافقًا ومجاريًا ومتأثرًا بكلام المُلْحِدين والدُّعَّار ، فلا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم .



سؤال : إذا كان حكم الآية ثابتًا وباقيًا إلى نهاية الدنيا ، فلماذا نسخ لفظ الآية ؟ ألم يكن الأولى أن تظل باقية فلا تكون فتنة ، ولا يجترئ أحد على إنكار الحكم !؟



الجواب : (1) الله تعالى له كمال الملك والعلم والقدرة والحكمة ، فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بمقتضى علمه وحكمته وقدرته وملكه ، والمؤمنون مُسَلِّمون لَهُ سبحانه في ذلك وفي كل شيء ، سواء علموا من تلك الحكمة أو لم يعملوها ، ولا يمنعهم ذلك من سؤال المسترشد المستنصح المستفهم ، أما غيرهم فيسال سؤال المعترض المتِّبع لما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فيتبيَّن الذين صدقوا ، ويتميَّز عنهم الكاذبون والمرتابون .



قال تعالى:(( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )) الإسراء ، وقال :(( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) آل عمران ، وقد سبق بيان ذلك في المقدمة ، فقضية النسخ هي مما يختبر ويمتحن به الناس ، وبالتالي لا وجه لقول السائل : (ألم يكن الأوْلى إبقاء لفظ الآية) لأن نسخ الَّلفظ أمُرٌ يراد ، وكم كشف الله به من أمر الكاذبين والمُدِّعين .



(2) الكتاب والسُّنَّة أصْلان عظيمان لا يفترقان ، ولا يُغْني أَحَدُهُما عن الآخر فإذا كان لفظ الآية قد رُفِع ، فإنَّ السُّنَّة القولية والعملية تغني وكذلك الإجماع ، فلا تأثير لرفع لفظ الآية في ثبوت الحكم والعمل به إلى يوم القيامة .



والمؤمنون الصادقون لم يزدادوا بهذا النسخ إلا إيمانًا ورسوخًا على سنة نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .



(3) هذا المسلك من المؤمنين بِالعمل بنص منسوخ لَفْظُه هو مما يبين أفضلية هذه الأمةِ الوَسَط ، في مقابلة مسلك أخبث الأمم أمة اليهود مع آية الرجم الثابتة عندهم في التوراة لم تنسخ لفظًا ولا حكمًا ومع ذلك اجتهدوا في كتمانها والتحيل في إلغاء حكمها من حياتهم ، لقد حاولوا كتمه لما كثر الزنا في أشرافهم ، قالوا كيف نرجم الأشراف ؟ فأحدثوا لهم عقوبة ، وهي أن يُسوَّد وجه الزاني والزانية ، وأن يركبا على حمار أحدهما وجهه إلى وجه الحمار والثاني وجهه إلى دبر الحمار ، ويطاف بهما في السوق ، ويقال هذان زانيان ، وقالوا : فإذا طفنا بهم في السوق ورجعنا بهم إلى البيت اغتسلا بصابون ومزيل للسواد ثم عادا على حالهما ، وانتهى الأمر ، ولكن مع ذلك كانوا في قلق من هذا ، وليسوا مطمئنين ، فلما هاجر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقع الزنا بين رجل منهم وامرأة قالوا : اذهبوا إلى هذا الرجل لعلكم تجدون في شرعه حدًا دون الرجم ، فجاءوا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكم عليهم بما في التوراة ، فجاءوا بالتوراة يتلونها فوضع الرجل يده على آية الرجم ، ولكن كان عندهم الحبر عبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو حبر من أحبار اليهود فقال له : ارفع يدك فلما رفع يده فإذا بآية الرجم تلوح بيِّنةَ فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمهما فَرُجما ، فانظر إلى أمة عملت بنص مفقود لفظه ثابت حكمه ، وإلى أمة حاولت كتم نَصِّ موجود في التوراة وإماتة حكم الله فيه يتبين لك خيريَّة هذه الأمة ، وحكمة نسخ لفظ آية الرجم ، وأن النسخ في القرآن هو أحد وجوه الإعجاز فيه .



* سؤال فرعي عن حكم الرجم : لماذا جاء حَدُّ الزانية أو الزاني المحصن رجمًا بالحجارة المتوسطة الحجم حتى الموت ، وذلك من أشنع القتل ، لأنه قتل مع تعذيب مشهود أمام الناس ، حتى إن من خصوم الإسلام من يتهجم عليه في الرجم واصفًا إياه بالبشاعة والوحشية ومُجَافاة الآدمية ، فضلاً على أن يكون تنزيلاً من الرحمن الرحيم ؟ .



الجواب : - هذا مما يقال عمومًا على العقوبات الشرعية والحدود كالقصاص ، وقطع يد السارق وقتل المرتد ، ورجم الزاني المحصن ، وجلد غير المحصن مائة جلدة ، وجلد شارب الخمر أربعين جلدة ، وحد القذف وحد الحرابة وما شابه ، ولقد صُنِفْت في ذلك الكتب والرسائل ، وهنا لا يتسع المجال إلا لنقاط جامعة بإذن الله .



(1) إن قاعدة العقوبات حتى عند مشرِّعي القوانين الوضعية هي أن قَسوْة العقوبة إنما تحددها خطورة الجريمة فلا بد من التلاؤم بينهما ، وجريمة الزنا في الإسلام هي من أخطر الجرائم التي تعصف بالدين والعرض والنسل والنفس ، والمحصن قد عرف سبيل الإحصان وتمكن منه وذاقه ، بخلاف البكر الذي لم يحصن بعد ، فالرجم متناسب جدًا مع الجريمة وخطورتها .



أما عند خصوم الإسلام ، فالزنا حرِّيةٌ شخصية وليس جريمة فطالما أنه بالتراضي فهو قائم على الحب والتلذذ بلا مفاسد ، سواء بحمل أو بغير حمل ، وقول الخصوم هذا إنما هو ظلم وجهل كما قال تعالى :(( وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )) الأحزاب .



(2) نقول لهم : هذا شرع الله المنزل ومعه دليله أنه منزل من عند الله ، فهل أنتم أعلم وأرأف !!! .



وسأكتفي بهذه الأمثلة الثلاثة (آيتا المصابرة ـ أيةُ الصِّيَام ـ آية الرجم) لأنها تكفي في بَيَان مَعْنَى النَّسْخ وحِكْمته وأنه أحد وجوه الإعجاز القرآني ، وسنوجز الباقي دون تفصيل .



3 ـ ما نُسٍخَ حُكْمُه ولفظه :



قَالَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ :((عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ )) .



 
أقسام النَّسْخ باعتبار الناسخ :-



1 ـ نسخ القرن بالقرآن ، ومثاله : آيتا المصابرة والصيام كما سبق .



2 ـ نسْخ السُّنَّة بالقرآن ، ومثاله : نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسُّنة باستقبال الكعبة الثابت بقوله تعالى:(( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .. الآية )) البقرة ، وهذا أول نسخ وقع في القرآن ، ولأهميته سُنِطيلُ الكلام فيه .



3 ـ نسخُ السُّنَّة بِالسُّنَّة ، ومثاله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا )) .



4 ـ نسخُ القرآنِ بالسُّنَّة : وهذا لم نَجِدْ له مثالاً سَليمًا ، والذي وجدناه أن الحديث يتَّفق مع الآية الناسخة ويُبْيِّنُها ، ولا ينفرد بالنسخ .



 
(( حكمة النسْخ ))



ذكرت من حكمة النَّسْخ في الأمثلة الثلاثة السَّابقة ما يكفي لكل مثال بخصوصه ، وسأذكر بيان الحكمة العامة إتمامًا للفائدةِ :



(1) مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع في دينهم ودنياهم : -



الأحكام تابعة للمصالح ، والمصالح تختلف من حال إلى حال ، ومن زمان ومكان إلى زمان ومكان . ولذلك في النَّسْخ العَام يأتي النبيُّ إلى قومه فَيَنْسخ شَريعَة الذي سَبَقه كما قال تعالى:(( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )) المائدة حتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسخت شريعته الخاتمة جميع الشرائع لأن كل شريعة تتناسب زمانها ومكانها وقومها ، والخاتمة تناسب الناس كافَّة في كل الأرض إلى يوم القيامة ، ولا يقدر على ذلك إلا الله ، حيث لا تحدث مسألة في كل ذلك إلا وحَلُّها في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستنبطه العلماء الراسخون في العلم ، ومن ثم نعلم أن شريعة كهذه لا يصلح فرضها على العرب دفعة واحدة وهم في أوَّل أمْرهم من الجاهلية والظُّلُمات . نحن الآن عندما يريد الطالب أن يدرس تلك الشريعة فإن عليه أن يُتْقِنَ علوم الآلة أولاً : (اللغة العربية ـ أصول الفقه ـ علم المصطلح ، وهكذا) وقد يَسْتَغْرِقُ في ذلك عِدَّة سَنَوات ، حَتَّى يستطيع أن يتابع الفُقَهاء ويفهم . إِنَّهَا شريعة أحْكِمَت ثُمَّ ف

الصفحات [1] [ 2]
اضيف بواسطة :   admin       رتبته (   الادارة )
التقييم: 0 /5 ( 0 صوت )

تاريخ الاضافة: 26-11-2009

الزوار: 6803


جديد قسم مـقـالات الموقـــع
القائمة الرئيسية
البحث
البحث في
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك