nbsp; ويعلق العظم على قول (جيمس) هذا بقوله:
"ولكن جيمس مخطئ ، لأن خوفنا من الوقوع في الخطأ أهم بدرجات من أملنا في العثور على الحقيقة ، أو من رجائنا في أن يكون اعتقادنا صادقاً".
هكذا يقرر(العظم) ثم يأتي بما زعم أنه دليل ، ولكنه لو لم يأت به لكان أستر له ، إنه يقول في دليله الذي ساقه:
"ذلك لأن عدد الأخطاء التي يمكن أن نقع بها غير متناه ، أما الحقيقة فواحدة ، وبما أن احتمالات الوقوع في الخطأ أكبر بكثير من احتمالات العثور على الحقيقة ، أو احتمال الوقوع على الاعتقاد الصادق ، لذلك يضطر الإنسان لأن يضع ضوابط صارمة وحازمة في بحثه عن المعرفة ، أملاً منه في أن يخفض احتمالات الخطأ إلى أقل حد ممكن . وبالرغم من ذلك يظل عدد هذه الاحتمالات مخيفاً".
ولا بد أمام هذا الكلام (العظمي) من إلقاء ضحكة سخرية ، وذلك لأنه وضع الأشياء التي في غير مواضعها ، وذكرني بقصة طالب غبي يحفظ بعض المسائل النحوية والصرفية واللغوية ، سأله الممتحن أول ما سأله ما اسمك؟ فقال له : الاسم على أقسام: منه علَمَ ، والعلم مرتجل ومنقول ، وهو علم شخصي وعلم جنسي ، ومنه معارف أخرى غير علم ، ومنه نكرة ، والنكرة قد تكون اسم جنس ، وقد تكون اسم جنس جمعي ، وفي باب النداء قد تكون النكرة نكرة مقصودة ، وقد تكون نكرة غير مقصودة ، ومعاجم اللغة قد جمعت المفردات اللغوية وبينت معانيها ، سواء ما كان منها اسماً أو فعلاً ، وفيها مئات الألوف من الكلمات ، وسار على هذا المنوال في السرد الغبي .
و(العظم) ظن نفسه في مثل صحراء واسعة يبحث فيها عن دينار ، واحتمالات الخطأ فيها لا نهاية لها ، ونسي أنه في موضوع يتردد بين احتمالين فقط ، لا ثالث منهما ، أحد هذين الاحتمالين هو أن الله موجود وحق ، والاحتمال الثاني هو الاحتمال المناقض له ، ولا شيء وراء هذين الاحتمالين ، فالقضية كمن جاءنا فقال : في وسطي حزام ناسف ، وهنا لا بد أن نكون أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما أن نرجح احتمال الصدق فنأخذ حذرنا ، وإما أن نرجح الاحتمال الآخر فنورط أنفسنا في احتمال الخطر .
و(جيمس) رجح احتمال الإيمان على نقيضه فقط ، وليس على احتمالات لا حصر لها .
فمن أين (للعظم) أن يغالط هذه المغالطة المفضوحة؟
من أين جاء بقصة عدد الأخطاء التي لا نهاية لها في موضوع ليس فيه إلا احتمالان متناقضان فقط؟
إنها قصة في البحث العلمي ، ولكن ليس هذا مكانها ، إنه يضع الأشياء في غير مواضعها ، إما على سبيل الجهل واختلال الموازين المنطقية لديه ، وإما على سبيل المغالطة واستغفال القارئ والتغرير به ، ولكن أي قارئ حصيف قادر على كشف هذا الزيف الذي صنعه .
وبعد هذا التزييف المقصود الذي أراد به السفسطة والمخادعة ، ظن أنه ملك ناصية حجة متينة وبلغ ما يريد من تهديم للأبنية الفكرية الإيمانية فقال في الصفحة (77).
" لا شك إذن أنه – خلافاً لرأي جيمس – من الحكمة أن نخاف من الوقوع في الخطأ أكثر بكثير من أن نتسرع في الانصياع مع أملنا في العثور على الاعتقاد الصحيح والصادق ، خصوصاً قبل تصفية احتمالات الخطأ إلى أدنى حد ممكن ، عن طريق التفكير العلمي ومنهجه المعروف ".
وهنا نلاحظ أنه قد يكون دارساً لمنهج التفكير العلمي ، ولكن لا يعرف مواضع تطبيقه ، والأعجب من ذلك أنه يأخذ لنفسه بالاحتمال المقابل ، دون أن يناقش نفسه بما ناقش به (جيمس) ، وهذا يدل على أنه يغالط ويراوغ ،ويجادل بالباطل .
لقد أثبت هذا الملحد على نفسه وعلى طرائق الملحدين صوراً فيها الكثير مما يضحك العقلاء ، إن كان يستهين بمنطق القراء ومدى ثقافاتهم فليعلم أن صغار المثقفين الإسلاميين قادرون على كشف مغالطاته وتزييفاته .
لقد تجاوز في صنيعه قواعد التفكير العلمي ومنهجه المعروف ، ومشى في صحرائه التائهة يتغنى بقول الشاعر:
سارت مشرِّقة وسرتُ مغرباً *** شتان بين مشرِّق ومغرِّب
ثم بعد أن ظن أنه قد قرر النتيجة المفحمة قال :
" حتى لو كان الاعتقاد الذي تقبلناه عن طريق العاطفة والميول صادقاً وصحيحاً بمحض المصادفة ، فلن يكون له قيمة ، لأن شأن هذا الاعتقاد هو كشأن الوصول إلى المال عن طريق السرقة ، عوضاً عن طريق العمل الشريف . أي : إننا وصلنا إلى هذا الاعتقاد الصادق بطريق غير مشروعة ، ولا يمكننا أن نقيم مبادئ عامة للوصول إلى آراء مدروسة على أساس المصادفة ".
ونحن لا نريد أن نعلق على هذه المناقشة الضعيفة الواهنة كثيراً ، لأن موضوعنا لا يهمنا ، باعتبار أن قضية الإيمان بالله وتعالى وبما جاءنا عنه ، هي بالنسبة إلينا قضية علمية ، توصلنا إليها بالمنطق السليم ، والحجة الدامغة ، والبرهان القاطع ، ولا شأن لنا بمن أنكرها أو أغمض بصيرته عنها .
ولكن ننتقد هذه المناقشة من وجهين:
الأول: ما أسماه بالمصادفة التي قد توصل الإنسان إلى الاعتقاد الصحيح الصادق ، قد شبهه بكسب المال عن طريق السرقة ، عوضاً عن طريق العمل الشريف ، وكان منطق التشبيه يقضي عليه بأن يشبهه بالعثور على منجم في جبل ، أو لُقَطَةٍ في صحراء ، أو كنز لا مالك له .
على أن القضية بالأساس ليست من قبيل المصادفة ، إنما هي من وجهة نظر (جيمس) ترجيح قائم على نظر صحيح ، يحق للإنسان معه أن يتخذ مذهباً .
يضاف إلى هذا أن الإلحاد الذي تمسَّك به (العظم) وأضرابه ، هو الذي يصح أن يوصف بأنه عمل غير مشروع ، إلا سند لمذهب الإلحاد مطلقاً ، فلا يوجد دليل ولا شبه دليل يدعمه ، بل فيه رفض لأدلة الإيمان المثبتة ، أو لأدلته المرجَّحة على أدنى المستويات ، كالدليل الذي اعتمد عليه (جيمس).
الثاني: كان الأحرى بالعظم أن يطبق على مذهبه الإلحادي قوله:
"ولا يمكننا أن نقيم مبادئ عامة للوصول إلى آراء مدروسة على أساس المصادفة".
إنه يمنع الأخذ بالمصادفة في مجال البحث النظري للوصول إلى أفكار صحيحة ، ويقبل مبدأ وجود الأحداث الكونية وتغيراتها وقوانين الطبيعة كلها والإنسان وعقله الذي يفكر فيه على أساس المصادفة .
هذا مع أننا من وجهة نظرنا الإسلامية لا نقبل أن تكون المصادفة أساساً لإقامة عقائد وآراء ومفاهيم ، ولا لقيام أحداث كونية كبرى ذات نظم محكمة ، وقوانين ثابتة ، ومن عثر مصادفة على رأي صحيح أو اكتشاف علمي ، فإننا لا نقبله منه ما لم يدعمه بعد المصادفة بالأدلة الكافية ، أو بالتجربة الصحيحة القابلة للإعادة والتكرار .
ثم يختم (العظم) نقده لبحث (وليم جيمس) بقوله:
"في معرض نقدنا لرأي (جيمس) يجب أن نذكر أن المفكر الذي لا يعتقد بوجود الله ، أو يعلق الحكم حول الموضوع بأسره ، قد لا يفعل ذلك من جراء تكوينه العاطفي ، باعتبار أنه ربما كان بطبيعته العاطفة أميل إلى الاعتقاد منه إلى الرفض . إنه يفعل ذلك لأن القناعات الفكرية التي تشكلت لديه على أسس علمية واضحة لا تسمح له بأن يعتقد بوجود الله دون أن يقع في تناقض ذاتي ، ودون أن يضحي بوحدة تفكيره ومنطقه".
في كلامه هذا اعتراف ضمني بدليل الفطرة التي تهديه وتنزع به إلى الإيمان (فطرة الله التي فطر الله عليها) ولكنه يكبت فطرته بأوهام الجحود والإنكار ، وبما أسماه من قناعات ، وهي لا تزيد على أنها مواقف عنادية ، مشحونة بالأكاذيب والمغالطات والسفسطات الجدلية . ففي كل أقواله وجدلياته ، وفي كل ما ساقه من أقوال لأساتذته ، لم نجد ما يولِّد أية قناعة لباحث عن الحقيقة صادق في بحثه .
والسفسطة والمغالطة والكذب لا تشكل له عذراً مقبولاً بين يدي ربه ، حينما يأتي ذليلاً حقيراً لا يملك شيئاً .
أما زعمه بأن المؤمن بالله لا تسمح له القناعات الفكرية بأن يعتقد بوجود الله دون أن يقع في تناقض ذاتي ، ودون أن يضحي بوحدة تفكيره ومنطقه ، فزعم لم يقم عليه دليلاً في كل ما كتب ، وإنما ألقاه كلاماً تقريرياً خالياً من أية حجة صحيحة ، وما ساق من جدليات مختلفة لم يحتوِ على شيء مما يدعم بصدق هذا الزعم ، أو يقدم لصاحبه عذراً فكرياً مقبولاً عند الله أو عند العقلاء من الناس .
ثم لا يقتصر على الاعتراف الضمني بوجود الفطرة النزاعة إلى الإيمان ، بل يرتقي إلى الاعتراف الصريح بوجود الشعور الديني في الفطرة الإنسانية ، ولكنه لا يحاول أن يجد طريقاً لتنفيس هذا الشعور وتلبيته بألوان من التعويض الذي لا يسد مسداً صحيحاً ، أو بلون من ألوان الوثنية .
يقول في الصفحة (78) من كتابه:
" هذا لا يعني أنني أريد نسخ الشعور الديني في تجارب الإنسان من الوجود ".
أي : ما سبق في كلامه من توجيهه حربه الشعواء على الدين ، لا يعني أن الشعور الديني غير موجود بصفة أصيلة في الفطرة الإنسانية بل هذا الشعور موجود ، وهو ينزع في داخل النفس الإنسانية نزوع الدوافع الفطرية الأصيلة ، التي تتطلب تلبية نفسية وروحية ومادية ، وتلبية هذا الشعور يكون بالإيمان والعبادة .
لكن (العظم) يعترف بوجود هذا الشعور الديني ، ويحاول عزله عن التلبية الصحيحة ، إذ يُغرية بأوهام لا تُلبي دوافعه تلبية صحيحة ، فيصرفه عن عبادة الله الحق إلى أوهام عبادات وثنية مختلفة يخترعها له ، كعبادة الجمال ، أو عبادة البحث عن الحقيقة ، أو عبادة الأهواء والشهوات ، أو عبادة مطالب الحياة والأعمال المؤدية إليها ، ويلحق بذلك عبادة القادة والأسياد ، وعبادة الأحزاب ، وعبادة الشياطين .
وفي هذا يقول متابعاً كلامه:
"يجب تحرير هذا الشعوب الديني من سجنه ، ليزدهر ويعبر عن نفسه بطرق ووسائل مناسبة للأوضاع والأحوال التي نعيشها في حضارة القرن العشرين . لذلك علينا أن نتنازل عن الفكرة التقليدية القائلة بوجود شيء كحقيقة دينية خاصة ، وأن نوجه اهتمامنا نحو الشعور الديني المتحرر من هذه الأعباء والأثقال".
إنه بهذا يريد أن يُرجع الناس إلى الجاهلية الأولى ، وإلى عبادة الأوثان ، وبعد أن حاول صرف الشعور الديني عن الله جلَّ وعلا ، وتوجيهه للوثنيات المادية والخيالية قال:
"وقد يتمثل الشعور الديني بهذا المعنى في موقف الفنان من الجمال ، أو في موقف العالم من البحث عن الحقيقة ، أو في موقف المناضل من الغابات التي يعمل لتحقيقها ، أو في موقف الإنسان العادي من أداء واجباته الحياتية واليومية".
لقد كان بإمكانه أن يعبد الله وحده وهو في هذه المواقف كلها ، لأن عبادة الله بمعناها الواسع تتمثل في كل عمل أو تصور أو عاطفة ،مما أذن الله به إذا ابتغى به الإنسان مرضاة الله تعالى ، لكنه – وكذلك سائر الملحدين – يكرهون الخضوع لمن خلقهم ، ويلذ لهم أن يخضعوا لخلقه .
إن الدين ومشاعره والدوافع إليه حقائق مغروزة في الفطرة الإنسانية ، لا يملك أي إنسان نسخها من الواقع الإنساني ، مهما حاول التضليل في الأمر ، وفي حال كبتها يعيش الإنسان ضائعاً قلقاً مضطرب المشاعر ، ذا حاجة أصيلة في نفسه ، وهذه الحاجة محرومة من التلبية الصحيحة .
في كل إنسان إحساسات فطرية صادقة ، تنزع به إلى الإيمان بوجود خالق لهذا الكون كله ، ومشاعر فطرية صادقة تتوجه نحو هذا الخالق العظيم بالدعاء ، وبطلب المعونة والإمداد الدائم ، وتتوجه إليه بالخشوع والإجلال والحب ، وحاجات فطرية أصيلة لعبادته والتماس الصلة به ، وهذه الإحساسات والمشاعر الفطرية تشترك بالإحساس والشعور بها جميع الخلائق المدركة ، على اختلاف نزعاتها ، ومستويات ثقافاتها ، في البيئات البدائية ، وفي المدن المتحضرة ، وفي منتديات المثقفين ، وفي قاعات العلوم والفنون والمختبرات .
إنها صبغة الله ، وفطرته التي فطر الناس عليها ، هذه حقيقة بيَّنها الله بقوله في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول):
{صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ}
وبقوله في سورة (الروم/30 مصحف/84 نزول):
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.
ولكن قد نجد هذه الفطرة مغشى عليها في نفوس بعض الملحدين ، ولهذا الغشاء سبب ، فالفطرة هذه لا تنطمس إلا في نفس من بالغ في الانحراف من الناس ، بدافع غير أخلاقي ، كالكبر والعناد ، أو الرغبة بالفجور ، والانطلاق في الأهواء والشهوات ، مع التهرب من مشاعر العدالة الإلهية ، وملاحقة الضمير الديني للسلوك . أو في نفس مُضلَّلٍ لعبت بأفكاره وعبثت بشهواته شياطين الإنس ، من ذوي المصلحة الأساسية في نشر الإلحاد والكفر بالله في الأرض . ولكن المشاعر الفطرية لدى هؤلاء وأولئك تظل مكبوتة محرومة من التلبية وتنفيس الكرب الذي يتولد عن الكبت ، ثم تحاول التنفيس بطرق غير طبيعية ، وهذا التنفيس يظهر في صورة هيستيريا عصبية انفعالية ، مع الفن تارة ، ومع الخمر والمخدرات تارة أخرى ، ومع الانتحار أحياناً ، ومع (الهيِّيَّة) أحياناً أخرى ، وفي جنون الحرب ، وفي جنون الانعزالية والانطوائية ، وفي جنون العظمة وادعاء الربوبية ، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
ومع ذلك فإن هذه الفطرة فقد تتيقظ في نفوس أعتى الكفرة والملاحدة المجرمين ، وذلك حينما تشتد عليهم مصائب الحياة ، ويقعون في مخاطر محدقة بهم ، ولا يجدون وسيلة مادية لدفعها ، وهذا ما حصل لفرعون حينما أدركه الغرق فقال : "آمنت برب موسى وهارون آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل".
وهذه صورة تتكرر في حياة الإنسان ، كلما أحاطت به شدة لا يجد وسيلة مادية لتفريجها ، وقد كشف الله عنها بقوله في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول):
{وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً}
وكشف عنها سبحانه بقوله في سورة (يونس/10 مصحف/51 نزول):
{هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ * فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
هذا هو واقع الفطرة الدينية في النفوس الإنسانية ، إلا أن الملحد (العظم) حاول تحويل هذه الفطرة عن الإيمان بالله وعبادته ، إلى الإيمان بالمادة وعبادتها ، بتوجيه المشاعر الدينية الفطرية نحوها ، فبعد أن قال:
"لا أريد نسخ الشعور الديني في تجارب الإنسان من الوجود".
قال:
"ولكن أرى من الضروري التمييز بين الدين وبين الشعور الديني ، ذلك الشعور المسحوق تحت عبء المعتقدات الدينية التقليدية المتحجرة ، وتحت ثقل الطقوس والشعائر الجامدة".
يبدو أنه يلقي ما في فكره ونفسه من تحجر وجمود على المعتقدات الإسلامية والشعائر الدينية ، حسبه جموداً وتحجراً أنه يرفض الحق المدعم بالأدلة الواضحة ، ويكابد ويكدح وراء أوهام وخيالات لا دليل عليها .
يريد أن يجعل بدل الصلاة مثلاً (رقص الباليه) ، وبدل الحج إلى بيت الله الحرام الحج إلى محنط (لينين)، وبدل ارتياد المساجد ارتياد المواخير والحانات ، وبدل عبادة الله عبادة الأوثان والأشخاص ، ليتخلص من الشعائر الدينية الجامدة بزعمه .
وإنني غيرة عليه – وعلى كل كافر بالله ملحد – أنصحه بأن يرتدع عن غيه ، قبل أن ينزل الله به نقمته ، ببلاء لا ينقذه منه أحد إلا الله .
إن ربك لبالمرصاد ، وإنه لشديد العقاب ، وإنه سبحانه يمهل ليفتح طريق الرجعة إليه والتوبة والاستغفار ، ولا يهمل ، إنه يملي للكافرين ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وليسمع قول الله تعالى في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول):
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.
وقوله سبحانه في سورة (الحج/22 مصحف/103 نزول):
{فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}.
* * *