لْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِني لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
ومن جملة هذه النصوص يتضح لنا أن الكافرين يطلبون الرجعة إلى دار الابتلاء أربع مرات .
الأولى : عند موتهم ومشاهدتهم منازلهم في دار العذاب .
الثانية : في موقف الحساب إذ يقفون عند ربهم ناكسي رؤوسهم .
الثالثة : عندما يعرضون على النار بعد الحساب ، ويرون ما في النار من عذاب .
الرابعة : حينما يكونون في نار جهنم وهم يذوقون ألوان عذابها الأليم .
وفي كل هذه المرات يُرفض طلبهم ، وترد عليهم تمنياتهم .
7- وجاء في القرآن بيان أن الكافرين الذين ماتوا وهم كفار لا يغفر الله لهم ، ولا يقبل منهم فدية ، إنهم قد ختموا حياتهم في دار الابتلاء بالكفر والعناد وتحدي الحقيقة الإلهية الكبرى ، وقضي الأمر ، فلا رجعة ولا استئناف ولا غفران ولا فدية .
إن عفو الله وغفرانه يوم القيامة من المنح التي يختص الله بها عصاة المؤمنين ، فلا يكون للكافرين منها نصيب .
أما في الدنيا فباب العفو والغفران مفتوح لهم إن آمنوا ، فإذا ماتوا مصرين معاندين فقد قطعوا بأيديهم عن أنفسهم حبل الرجاء ، وقد أعلن الله لهم وهم في الحياة الدنيا أنه لن يغفر لهم إذا ماتوا وهم كفار ، ولن يقبل منهم أية فدية ، على أنهم يومئذٍ لا يملكون فدية يقدمونها .
دلَّ على ذلك قول الله تعالى في سورة (محمد/47 مصحف/95 نزول):
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ}
وقول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):
{إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً}
وقول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):
{إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً}
فمن هذه النصوص القرآنية تتضح لنا القاعدة الإلهية العامة في الغفران ، وهي أن الله لا يغفر ذنب الكافر به أو الإشراك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فالأمر بالنسبة إلى الذنوب الواقعة في مجال احتمال الغفران منوط بمشيئة الله تبارك وتعالى .
ولا طريق للكافرين والمشركين الذين ماتوا من قبل أن يتوبوا إلا طريق جهنم خالدين فيها ، قال الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً}
أما عدم قبول الفدية منهم فقد دل عليه قول الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}
وقول الله تعالى في سورة (يونس/10 مصحف/51 نزول):
{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}
ويظل الكبر ملازماً لهم حتى رؤية العذاب ،لذلك فهم يخفون ندامتهم .
وقول الله تعالى في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول):
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }
وهكذا تؤكد النصوص أن الكافرين في الآخرة محرومون من فضل المغفرة بسبب كفرهم ، وأنهم لا سبيل إليهم إلى فداء يفتدون به ، وأنهم لا نصير لهم ، وأنهم لا مخرج لهم من العذاب .