تدّعي البهائية أنها آتت العالم بجديد من الأصول لم يدر في خلل المصلحين قبلها؛ كاتحاد الأديان، وترك التعصبات، واتحاد الأجناس، ومساواة المرأة بالرجل، والسلام العام متذرعين بذلك إلى القول بأن القرآن ليس ختام الوحي السماوي، وأن النبي وإن كان آخر المرسلين إلا أنه ليس المظهر الأكمل لله تعالى وهي المنزِلة التي حُفِظت في زعمهم لبهاء الله وحده وأن الإسلام ليس بالدين العام الأخير، فهذا الوصف لا ينصرف في وهمهم إلا على البهائية دون سواها.
كل هذا ليس بحق، وليس عليه مسحة من علم ولا عبقة من عدل.
الرد على اتحاد الأديان:
فأما ما سموه باتحاد الأديان فقد سبق إليه الإسلام، وأسسه على أقوى الأصول، وحاطه بأحكم الدلائل، فقرر أن أصل الأديان كلها واحد، وأن الخلافات التي بينهما ما حدثت إلا بسبب ما أدخله قادتها عليها من الأضاليل والأوهام، فقد قال تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ {13} وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{14} فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ {15}" الشورى
وقال تعالى:" أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{83} قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّ بِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{84}" آل عمران
وقال تعالى:" {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام159
فالإسلام يفرض على أهله القول بوحدة الدين فرضا، ويأمرهم بالاعتقاد بجميع الرسل، من غير تفريق بينهم جاعلاً القول بهذه الوحدة أساساً للدين الحق، لا يقبل إيمان يقوم على أساس غيره، فقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً{151}" النساء
فوحدة الدين كما ترى هي الأساس الذي يقوم عليه الإسلام، والإيمان بجميع الرسل والكتب السماوية شرط أولي فيه، مع فارق كبير بينه وبين البهائية، وهو أنه مع تأسسه على وحدة الدين يبين الأسباب التي ولدت من هذه الوحدة تعدداً، وهي ما دسه قادة الدين من ضلالاتهم وخزعبلاتهم، ثم يكر عليها بالنقض والتجريح على طريقة التمحيص العلمي الصحيح، لا كما تفعل البهائية من تكلف تأويل كل هذه الضلالات التي ثبت علمياً أنها من مولدات الأوهام في عصور الطفولة البشرية.
أما ترك التعصبات فإن كان المراد منه التعصبات الجاهلية التي تحمل على اضطهاد المخالفين في الدين؛ فهذا قد سبق إلى تقريره الإسلام، وعمل به أهله، مما أصبح مضرب الأمثال فقال تعالى:" {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }"الممتحنة8
ولكن ليس من التسامح في شيء أن تقول للناس وهم يختلفون في النظر، ويتفاوتون في الفهم، ويتباينون في التمحيص: إنكم كلكم على الحق، وإن ما تتخالفون فيه له عندي وجوه من التأويل، فاثبتوا على ما أنتم عليه منها؛ فإنه يؤديكم جميعاً إلى غاية واحدة، ولكن الإصلاح كل الإصلاح أن تبين الحق عند أي فريقٍ كان وتؤيده، وأن تنقذ الباطل وتدحضه، وتحذر منه، وأن تبتعد فيما أنت بسبيله عن تأويل الوساس لتعيرها مظهراً من الحق، فإنها بذلك تصبح أفتك لأهلها، وأضل لهم مما كانت عليه مجردة من الزخارف الكلامية.
هذا ما نفهمه، وفهمه الناس قديماً وما يفهمه أهل البصر حديثاً، وليس وراءه مذهب كما قال تعالى:" فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ" يونس 32